كلنا سوريون | العدد 45 | 01 آذار 2016

لؤي حاج بكري

الهدنة في سـورية شاغلة الناس، ما بين مؤيد ومعارض، بين من يعتبرها انحياز كامل للنظام ومنظومة حلفائه ورخصة للقتل وبين من يعتبرها فرصة للشعب كي يرتاح من الحرب. وربما هي ليست أكثر من بالون اختبار!!؟؟

مع اكتمال السنوات الخمس على النيران المشتعلة في الأرض السوريّة، يشهد العالم اليوم تحولاً جديداً  ً في المعضلة التي عجز الجميع عن حلّها، تحولاً أشبه ما يكون بحالةً المفترق بين طريقين، معلناً عن إمكانيّة التوصّل إلى المخرج المناسب، أو الدخول في النفق الأخطر وتفاقم حجم الخسائر، على الرغم من الخسائر المعلنة حتّى اليوم، والتي قد تُظهر الأيّام القادمة ما هو أكثر منها بكثير، لتصبح مسألة إخماد تلك النيران، المسألة المتداولة هذه الأيّام، فهل يجري البحث حقاً عن الآليّات اللازمة لذلك، أم أن الأمر ليس سوى حالات من الجدل الحامي في أروقة السياسة، فيما تستعر النار من تحت الرماد، منذرة باشتعال حرب أوسع تدميراً ممَّا حصل حتّى الآن؟

إنّ ما جرى منذ ثلاثة أشهر، ومنذ صدور القرار المتضمن خارطة طريق للحلّ السياسيّ، ذلك الحل القائم ومنذ حزيران 2012 في أعقاب مؤتمر جنيف الأوّل ليس في واقع الحال سوى محاولات كلاميّة من القائمين على صناعة هذا القرار، لم تأخذ حتّى اليوم صيغة الإقدام على أيّة خطوات تنفيذيّة، بل وربّما لم تقدّم سوى صيغ معرقلة للتطبيق، ممّا لا يدع مجالاً للحديث عن اقتراب الحلّ، يقدر ما يدفع للحديث عن طبيعة مواقف تلك القوى المعنية بذلك الحلّ، والقادرة على جعله أمراً واقعاً، بعيداً عن الخوض في صعوبة قيام مفاوضات بين السورييّن، وطبيعة المفاوضين، أو شروطهم المسبقة فالمفاوضات التي أعلن عن انطلاقتها كانون الثاني الماضي، والتي توقّفت قبل جلوس المفاوضين إلى الطاولة، تحت عنوان شروط الوفد المعارض لوقف القصف الروسيّ المتصاعد في ذلك الحين، لم تكن- كما ظهر لاحقاً- إلاّ مقدمة للعمليّات العسكريّة التي أعقبت تعليق تلك المفاوضات، بدلاً عن تهيئة الأجواء المناسبة لعودة المفاوضات، إذ جاءت الضربات الروسيّة الجويّة الشديدة التكثيف، ممهًّدة للاختراقات البريّة التي حصلت من قبل قوّات النظام وحزب الله وقوّات الحماية الكرديّة، عمليّات تسبّبت بالخسائر الأعلى على المستوى المدنيّ، قياساً على الفترة الزمنيّة التي جرت فيها، بشّدة وسعة التدمير الذي طال حتّى المشافي، وبتجهيز مئات الآلاف من المدنيّين نحو المخيّمات الحدوديّة.

ربّما تكون الحالة التي تسعى روسيا لفرضها غير واضحة، إذ يراها البعض كسعي لتقسيم البلاد، وإقامة دويلات علويّة وكرديّة، وينظر النظام إليها كاستعادة لسيطرته التي فقدها، فيما يرجّح الكثيرون، اقتصارها على تغيير الحالة القائمة، قبل الشروع بالعمليّة التفاوضيّة،  التفاوضيّ ّ ة، لكن ما توضّح من ذلك التدخّل المباشر، لم يتعدّ حتّى اليوم، غير منع انهيار نظام الأسد، بعد هزائمه التي مُني بها على يد جيش الفتح، ومن ثم ّتوجّهه نحو المجتمع الدولي للبحث في إيجاد حلّ، توجّهاً موارباً يفتح المجال أمام كلّ الاحتمالات، بما فيها بوادر الحروب المباشرة بين مختلف القوى الإقليميّة والدوليّة،، مع التحضيرات الجاريّة  لتدخّل برّيّ تركيّ سعوديّ تحت قيادة التحالف الدوليّ، أمام هذه الأجواء التي تشبه قدوم  العاصفة، يأتي الموقف الروسيّ من الهدنة، التي توصّل إليها الوزير لافروف مع نظيره الأمريكي، في خطوة قد لا تنتج ما أنتجه الوزيران سايكس وبيكو، قبل نحو قرن من الزمن.

فهل اكتفى العالم من الفرجة على مشاهد مأساة العصر السوريّة ليحول ذلك التفاهم بين الوزيرين وعبر مجلس الأمن إلى هدنة، لا يحتاج تنفيذها إلى مراقبة وفرض على أحد، بقدر ما يحتاج إلى الالتزام من قبل من توصّل إليها، في الوقت الذي أصبح فيه كل السوريّين وبكلَ أطرافهم وقوداً رخيصاً في تلك الحرب المستعرة؟ أم أنّ لدى الوزيرين المزيد من الجولات المنتجة للمزيد من الاختلافات والصراعات الإقليميّة والدوليّة؟

أياً كانت التوقّعات المتعلّقة بتلك الهدنة، فهي ليست أكثر من بالون اختبار لمعرفة إمكانيّة التوافق الدوليّ حول سورية، فالحديث عن الاختراقات هنا وهناك، قد لا يشكّل قيمة تذكر، ما لم يعاود الروس قصفهم الواضح والمستمر، لخلق المزيد من التغيرات، من أجل البحث عن مخرج آخر، غير المخرج الذي قد يرونه غير مناسباً، في حين أن المواقف المختلفة من هذه الهدنة الهشّة، والتي تبدو غير مبنيّة على نجاحها – رغم تأكيد الجميع على أهمّيتها -تأخذ صيغاً متقاربة، ويأتي الموقف الأمريكيّ مشكّكّا ومحذّراً من استمراريّة الروس في حربهم، التي لن تنتج سوى التفتيت لسورية كما أشار الوزير كيري، كأبعد من حالة تقسيم، وأقرب من حالة غياب عن الوجود، على حدّ تعبير أحد المسؤولين الأمريكيّين السابقين.

في حين أن المواقف التركيّة والسعوديّة المدركة لخطورة الدور الروسيّ، في تمريره للمشاريع المشكّلة تهديداً لأمن بلادهم وللمنطقة، في إنشائها لدويلات شيعيّة وكرديّة، لا تجد بديلاً عن التحضيرات المستمرّة لخوض معارك بريّة مباشرة -بشكل غير منفرد وتحت قيادة التحالف الدولي -لدرء الأخطار المحدقة بها، ولتحقيق ما يصبو إليه المجتمع الدوليّ في إنهاء الإرهاب المتمثل بـ »داعش« في هذه الأجواء الصعبة، قد يأتي الإعلان عن انهيار الهدنة التي أقرّها مجلس الأمن، انتقالاً نحو مشهد جديد من المأساة السوريّة، مشهد يحمل كلّ الاحتمالات الأكثر حدّة عمّا سبق، بدءاً من انتشار القواعد العسكريّة لمختلف الدول المعنيّة بالشأن السوريّ، على المسرح السوريّ، وصولاً إلى نشوب معارك إقليميّة – وربّما دوليّة – تأخذ الشكل المباشر دون الاعتماد على الوكلاء.

التعليقات

//