سوريتنا – العدد 211 – 04-10-2015

سوريتنا – عبد الرزاق النبهان

أثار إقدام الإدارة الذاتية الحاكمة للمناطق ذات الأغلبية الكردية في الشمال السوري على تعديل المناهج المدرسية، وقرارها إلغاء اللغة العربية من تلك المنهاج قبل أيام، جدلاً كبيراً داخل الأوساط السياسية والتربوية والشعبية، جدلٌ وصل حدَ اتهام بعض المثقفين والسياسيين للإدارة بأنها تعمل على «أدلجة التعليم، وترويج أفكارها الحزبية، وتكريد الثقافة، وتكريس للمحاولات الانفصالية».

إلا أنَّ قياديين وسياسيين كرداً نفوا تماماً أن يكون هنالك مثل تلك الأهداف وراء قرارات الإدارة، مشدِّدين على أنَّ ما تمَّ اتخاذه لا يتضمن أيَّ فكر انفصالي، حيث قال عمر علوش القيادي في التجمع الديمقراطي الكردي لــ سوريتنا «إنَّ المنهاج الجديد للعام الدراسي، وُضع ضمن معايير الأمم المتحدة ومنظمة اليونسكو، وإنَّ هيئة التربية والتعليم قامت بطباعة آلاف النسخ من الكتب المدرسية باللغة الكردية»، مشيراً إلى أنَّ المدارس ستقوم بتعليم التلاميذ من الصفِّ الأول حتى الصف الثالث المنهاجَ باللغة الكردية، على أن يتمَّ إدخال اللغة العربية في مرحلة الصف الرابع إلى المنهاج.

ونفى علوش أن يكون لتلك الإجراءات أية ارتباطات بمشروع سياسي ما قائلاً: «هي خطوة تأتي من إرادة الشعب» ولافتاً إلى أنَّ تدريس اللغة الكرديَّة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الوحدات الكردية، «هي حق»، لكي «يتعلم الشعب بلغته»، بحكم أن اللغة «تعبّر عن هوية الشعب، وعلى اعتبار أنَّ معظم السكان في المناطق الكردية لا يجيدون سوى الحديث بلغتهم، بعد حرمان الشعب الكردي طيلة العقود الماضية من حقوق التعليم بها».

 

أحزاب كردية ترفض

أعلنت أحزاب كردية في سوريا رفضها للقرار، واعتبرته توجهاً فردياً، وغير محسوب العواقب، ورأت أنه لا بدّ من التراجع عن مثل هذه الأمور «المصيرية» التي تحتاج إلى المشاركة، حيث طالب المجلس الوطني الكردي باعتماد الكتاب المدرسي العائد إلى وزارة التربية والتعليم السورية، ريثما تتمُّ إعادة النظر في المناهج الدراسية، لتكون «بعيدة عن التحزب والأدلجة»، مشيراً إلى أنَّ المناهج الجديدة «أدرجت موادَّ دراسية مناسبة لفكر حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني».

وقال المحامي برزان حسو عضو المجلس الوطني الكردي لــ سوريتنا: «إنَّ قرارات الإدارة الذاتية جائرة وممنهجة بسبب قيامه بفرض منهاجٍ تعليميٍّ يتبع لأفكار حزبية ضيقة»، مطالباً هيئة التعليم اعتماد الكتاب المدرسي العائد لوزارة التربية والتعليم للدولة السورية، ومشدِّداً على ضرورة فتح جميع المدارس التي تمَّ إغلاقها، والعمل على إبقاء المجمع التربوي، وتفعيله من جديد، حيث يرتبط به مصير أكثر من 5000 مدرس ومدرسة وآلاف التلاميذ والطلبة.

 

ما مصير الطلاب العرب؟

وفق القرار سيسمح للطلاب العرب في المنطقة، بتلقي التعليم بلغتهم الأم من الصف الأول حتى الثالث، وسيتم إدخال اللغة الكردية للطلاب العرب اعتباراً من الصف الرابع، أما مادتا التاريخ والجغرافية فسيتم تدريسهما باللغة الكردية، فضلاً عن إلقاء محاضرات عن الثقافة والأخلاق باللغة الكردية للطلاب العرب أيضاً، كما سيتم تعليم مبادئ الديانتين الإيزيدية والمسيحية إلى جانب الديانة الإسلامية.

يتحدث أحمد ياسين، وهو مدرس للغة عربية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية، بالقول «إنَّ القرارَ خاطئ في التوقيت، وسينعكس سلباً على الحياة العامة، ومن الصعب تطبيقه في ظلِّ عدم وجود بنية ومدارس خاصة».

ويرى المدرس أنَّ تطبيق القرار سيؤدي إلى «إنتاجِ جيلٍ بعيدٍ كلِّ البعد عن اللغة العربية، وفي حال عدم استطاعة القائمين على المشروع تأمين متطلبات المراحل الدراسية المستقبلية، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى كارثة في حقِّ جيلٍ كاملٍ ستتوقف حياته العلمية والدراسية».

من جانبها اعتبرت جيلان محمد مديرة إحدى المدارس أنَّ ما حققته هيئة التربية بجهود بسيطة يعتبر «إنجازاً سيسجّله التّاريخ»، فقد استطاعت المؤسسة خلال فترة وجيزة تأهيلَ عددٍ كبيرٍ من المدرِّسين بلغ حوالي ألفي مدرّس ومدرسة، «يعملون كجنود مجهولين لتعليم اللغة الأمِّ التي حرم منها الطلاب في المنطقة».

 

النظام السوري يقرر إغلاق مدراس التعليم الابتدائي

بدأت المشاكل بالظهور نتيجة إغلاق مديرية التربية التابعة للنظام السوري المدارس الواقعة تحت سيطرة وحدات الحماية الشعبية التي اعتمدت المناهج الكردية التي قرَّرتها الإدارة الذاتية، بدلاً من مناهج النظام التي تشهد الكثيرَ من الجدل في الشارع الكردي.

ويبدي ضياء الخضر، وهو مواطن من منطقة تخضع لسيطرة الإدارة الذاتية، تخوفه على مستقبل أبنائه، مرجعاً ذلك إلى إغلاق مديرية التربية المدارس الابتدائية، بعد قرار هيئة التربية التابعة للإدارة الذاتية، فرضَ منهاج جديد، ويرى أنَّ ما تقوم به الإدارة الذاتية «لا يحظى باعتراف محليٍّ أو دوليٍّ، وهو ما يثير الكثير من التساؤلات حول مصير الطلبة، ما لم يتمُّ الاعتراف بشهاداتهم أو بالعملية التربوية التي يخضعون لها».

 

المدراس الخاصة

تشهد المدارس الخاصة إقبالاً من قبل الأهالي، بالتزامن مع قرار مديرة التربية إغلاق المدارس وفرض هيئة التربية المناهج التعليمي، وهو ما يؤدِّي بطبيعة الحال إلى عدم قدرة الكثيرِ من المدارس على تحمل الضغط، واعتذارها عن استيعاب المزيد من الطلاب.

وفي هذا السياق تقول هيفاء برزان «مواطنة تبحث عن مدرسة لابنها» في حديث لـــ سوريتنا: «إنَّ إدارة مدرسة الوحدة الخاصة، رفضت استقبال ابنها مسعود، لأنَّ عدد الطلاب المطلوب في الصف الأول قد اكتمل لديها، ولا تقدِر المدرسة على فتح صفوف جديدة، بالرَّغم من إقبال الأهالي ومطالبتهم تسجيل أبنائهم فيها».

ويقول حدث خضر العيسى، وهو أب لطفلين: «ابني الكبير سيذهب إلى الصف الثاني بعد تعلمه للغة العربية والإنكليزية، وسيتم قلب المنهاج إلى الكردية»، مضيفاً «أشكُّ بمدى قدرته على تقبل الفكرة. لن أجازف بما تعلمه ابني؛ لذا قمت بتسجيله في مدرسة خاصة، أما الطفل الآخر فليس بمقدوري إرساله إلى المدارس الخاصة لضيق الحال المادية، لذا سيتعلم اللغة الكردية رغم أنني أشكُّ بمدى نجاح هذه الخطوة إلا أنه ما باليدِ حيلة».

وتابع العيسى: «سأقوم في المنزل بتعليمهم اللغة العربية والإنكليزية، معتمداً على المنهاج القديم»، معرباً عن خوفه من أخبار يتداولها الأهالي تشير إلى «عزم الإدارة الذاتية متمثلة بهيئة التعليم عدم السماح للمدارس الخاصة بتدريس المناهج الحكومية السورية».

وفي ضوء هذا الواقع يشهد العام الدراسي المقبل في المناطق الكردية في سوريا إشكالات كبيرة تتعلق بقرار مديرية التربية إغلاق المدارس الحكومية، وإصرار الإدارة الذاتية على تطبيق مناهجها الجديدة، وضياع الأهالي بين خيارات لا يبدو أيٌّ منها واضحَ المعالم حتى الآن.

 

التعليقات

//