صدى الشام – العدد 109 – 29/09/2015

د. بشار أحمد

على الرغم من الضجة الكبيرة التي أثارها موضوع التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية دعماً للنظام السوري، وعلى الرغم من محاولات النظام للتعامل ايجابياً مع هذا التدخل والترويج له على أنه سيفرض معادلات عسكرية وسياسية جديدة ستقلب الطاولة على المعارضة، إلا أن القراءة المتعمقة لمجمل الدور والتدخل العسكري الروسي في سورية، ومن خلال تفكيكه عبر أدوات التحليل السياسي، تظهر أن حدود الدور الروسي في سورية يتراوح بين حدين اثنين لا ثالث لهما.

الحد الأول هو محاولة منع سقوط نظام الأسد، الذي تكبد منذ انطلاقة عام 2015 خسائر استراتيجية كبيرة جداً تراجعت بموجبها سيطرته على المدن والبلدات السورية لتصل إلى 17 بالمئة فقط من مجمل مساحة سورية، وهو أمر دفع روسيا للتدخل بطريقة تشبه إلى حدٍ ما الاحتلال الروسي لشبه جزيرة القرم في أوكرانيا، مع اختلاف بسيط في بعض التوصيفات القانونية، حيث جاء التدخل العسكري الروسي الكبير والمتسارع في سورية ليوحي بأن روسيا تستشعر الخطر في سورية بعد تراجع النظام وخسائره المتكررة التي لم يحول الدعم الإيراني ودعم الميليشيات الشيعية الأخرى دون تتابعها، لذلك لجأت روسيا إلى التدخل العسكري المباشر عبر جنودها وآلياتها العسكرية الحديثة لتثبيت مواقع النظام السوري الحالية ومنع سقوطها، فأنشأت لذلك روسيا قاعدة عسكرية جديدة في مطار حميميم بعد توسيع مدارجه وإعادة تأهيله لاستقبال طائرات الشحن الكبيرة، كما جهزته بمساكن لإقامة الجنود الروس، إلى جانب تزويده بآليات حديثة، كدبابات من طراز t-92الحديثة ومدافع الهاوتزر ومدرعات لنقل الجنود، إضافة لاستقدام أكثر من مئتي جندي من مشاة البحرية الروسية.

لجأت روسيا إلى التدخل العسكري المباشر عبر جنودها وآلياتها العسكرية الحديثة لتثبيت مواقع النظام السوري الحالية ومنع سقوطها.

أما الحد الثاني فيتمحور حول محاولة روسيا تعزيز حضورها في سورية استعداداً لأي حلّ سياسي قد يفرض نفسه في أية لحظة، والذي يأتي أيضاً لموازنة الاحتلال الإيراني في سورية أو للتفوق عليه. فروسيا لا تريد أن “تخرج من المولد بلا حمّص” حفظاً لماء وجهها، لذلك تتدخل في سورية لتثبيت موطئ قدم لها يساعدها على حماية نفوذها ومصالحها في سورية، والتي يتصدرها الحفاظ على تواجدها في مياه البحر المتوسط التي تحتضن قاعدتها العسكرية الوحيدة في ميناء طرطوس، والتي تكتسب أهمية كبيرة في الاستراتيجية الروسية.

وعليه فإن حدود الدور الروسي في سورية تتراوح بين الحفاظ على دويلة الأسد بطابعها القديم والنفوذ الروسي الكبير ومنع أي تدخلات من قبل الثوار في هذه المنطقة التي تدخل ضمن إطار سورية المفيدة أو المجدية، وبين الاستعداد لأي حل سياسي يفرض على الأطراف مستقبلاً خدمةً لمصالحها وأهدافها داخل سورية وخارجها. أي أن روسيا بتدخلها العسكري المباشر في سورية، تحقق عدة أهداف دفعةً واحدةً؛ فبالإضافة إلى مساندة نظام الأسد وإطالة عمره، فإن تدخلها العسكري المباشر يمنحها سلطة أكبر في مستقبل سورية، ويبعد الانتباه عن تدخلها في أوكرانيا.

ومع ذلك، يمكن القول أنه ومع التهويل الكبير الذي رافق التدخل العسكري الروسي في سورية، إلا أن هذا التدخل لن يقلب موازين القوى كما يروج له النظام، ولن يصنع فارقاً كبيراً على الأرض، وذلك لسببن اثنين، الأول هو أنّ هدف التدخل الروسي سيبقى محصوراً في المدى المنظور، ضمن إطار منع سقوط نظام الأسد، والحفاظ على الوضع الراهن مع تعزيز وتحصين المصالح الروسية في سورية، أما

السبب الثاني هو أن التدخل الروسي سيكون محدودا مكانياً وعملياتياً داخل سورية، كون التدخل الروسي سيظل مقتصراً على الأرجح على العاصمة دمشق ومنطقة الساحل التي تدخل ضمن المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية في حسابات روسيا (سورية المفيدة أو المجدية)، بوصفها تشكل المنفذ البحري على البحر المتوسط، وفي حسابات النظام السوري كونها تشكّل عماد الدويلة العلوية التي يسعى النظام لإقامتها في حال انسحابه من دمشق.

التدخل الروسي في هذا الوقت بالذات يعني أن نهاية الأسد اقتربت، وأنه أصبح طرفاً لا قيمة أساسية له بالمعادلة السورية، بعد أن بات تحت الوصاية الروسية والإيرانية الكاملة.

وعليه، وبناء على ما قد سبق، يمكن القول أن التدخل العسكري الروسي في سورية قد يسهم في تحصين مواقع النظام التي يسيطر عليها جزئياً ويمنع سقوطها، وقد يكون سبباً في إعاقة الثوار وتأخير سيطرتهم على مناطق جديدة في الساحل ودمشق، وقد يسهم أيضاً في رفع الروح المعنوية المنهارة لقوات النظام وحاضنته الشعبية، لكنه لن يسهم أبداً في إعادة سيطرة النظام على المناطق التي خسرها طول عمر الثورة السورية، لأنه وبغض النظر عمّا يمكن أن يقدمه الروس لنظام الأسد، يمكن القول بأن التدخل الروسي هذا، وفي هذا الوقت بالذات، يعني فيما يعني بأن نهاية الأسد اقتربت، وأن الأسد أصبح طرفاً لا قيمة أساسية له بالمعادلة السورية، بعد أن بات تحت الوصاية الروسية والإيرانية الكاملة، مما يجعل مصيره أقرب إلى مصير حفيظ الله أمين‫ وبابراك كارمل في أفغانستان، بعد أن أعدمهما السوفييت كونهما أصبحا يشكلان عبئاً ثقيلاً وورقة محروقة.

التعليقات

//