تمدن | العدد 97 | 04/11/2015

غازي دحمان

لا دخان أبيض ولا سواه سيخرج من قاعات فيينا، بالأصل ليس ثمة نار لتنتج الدخان، وكل النيران يصبها تحالف روسيا – إيران على أجساد السوريين في أسواقهم ومدنهم وقراهم، بهدف ترويعهم وإخراجهم من سورية، فيما يتشدّق مندوبي روسيا وإيران في قاعات فيينا الفاخرة أن الشعب السوري هو من بحدّد خياراته بنفسه بما فيها مصير بشار الأسد.

لن ينتج عن مؤتمرات فيينا سوى بيانات لا تقدم ولا تؤخر كما لن تنفص تلك البيانات من وجع السوريين ونكبتهم، كل ما يمكن ان تقدمه هو تشكيلها غطاء على جرائم التحالف الرباعي وروسيا وأفعالهم تجاه الشعب السوري التي تجري جهاراً نهاراً بذريعة محاربة الإرهاب، فيما أركان هذا التحالف غارقين بالإرهاب حتى قبل تدخلهم في سورية بزمن.

العين على الواقع الميداني ومعادلاته وموازين القوة فيه، وليس على دبلوماسية فيينا، فالروس والإيرانيون لا يعطون اهمية كبيرة للعملية التفاوضية ومجرياتها إلا من كونها تمنحهم فرصة ووقتاً يمكن استثماره في إجراء التغييرات المناسبة وتعديل الاوضاع على الأرض حتى تصبح متناسبة مع مصالحهم وتصوراتهم، وحينها فقط يمكن القبول بعملية سياسية تقنن الوقائع التي صنعاها على الأرض عبر المجازر والتدمير.

كل البيانات التي أصدرها المجتمع الدولي في جنيف ونيويورك لم تكن تملك أليات تطبيق تستطيع ترجمة ما ورد في فقراتها إلى وقائع سياسية، فيما كانت صنوف الأسلحة الروسية والإيرانية ترسم خرائط جديدة لسورية، لحدودها وانتشار سكانها وحجم وطبيعة الدمار، عدا عن إعادة هندسة الديمغرافية السورية باعتبارها فائض عشوائي يحتاج لإعادة تنظيم غالباً ما اتخذ أشكال القتل والتهجير لضبطه وتنظيمه.

وليس من المتوقع ان تخرج المرحلة القادمة من هذا النهج، طالما ان العالم قد غسل يديه من سورية وسلّم شعبها لتحالف روسيا وإيران يحدد الصالح من الطالح فيها والإرهابي من الشرعي من أبناءها، فليس لدى هذا التحالف خطّة مختلفة عن تلك التي جرى ممارستها على مدار السنوات السابقة ولا يعرف قادته واستراتيجيوه بدائل أخرى للتعاطي مع هذه القضية غير أسلوب ممارسة العنف لى أقصى حدوده.

فيما يبدو الطرف المقابل، أو من يعتبرون أنفسهم مهتمين بمصير السوريين غير معنيين بإيجاد طرائق يدافعون فيها عن حلفاءهم المفترضين، اللهم سوى بعض التهديدات اللفظية والتي طالما يستثمرها تحالف روسيا وإيران كدليل على وجود طرف أخر في مواجهتهم ووجود ما يدعونه من تدخل خارجي ضد عصابة الأسد، ويوظفون ذلك في زيادة دعمهم لعملية القتل الجارية في سورية وممارسة القتل بدون سقوف محدّدة.

ليس سراً ان التحالف المذكور سيعمد خلال الفترة القادمة على استنزاف محاوريه بمفاوضات عقيمة، عبر الدخول في تفاصيل لا نهاية لها، ومن خلال تعمّد التسويف واللبس وعدم الوضوح تجاه التزامات محدّدة، بالإضافة إلى القيام ببعض المناورات الفارغة عن احتمالية تقديم تنازلات معينة في بعض القضايا ليشعروا الطرف الأخر بوجود جدوى من التفاوض معهم ومنحهم المزيد من الوقت وعطاءهم الفرص الكافية لتحقيق تموضعهم التدريجي على خط الازمة، ولن يكون بإمكان الطرف الاخر الذي ثبت أنه يدخل التفاوض بدون استراتيجية محدّدة ويعتمد مبدأ ردة الفعل وسياسة الانتظار، سوى السير مع روسيا وإيران إلى اخر المشوار.

هذا نمط قاتل من التعاطي مع قضايا مثل القضية السورية يتم حساب الوقت فيها بالدم والاقتلاع والتهجير، وفي الوقت الذي يحسب فيه الروس والإيرانيون خطواتهم على مقياس عدد الذين يتم قتلهم من السوريين وحجم عمليات التهجير والتفريغ، مئات الألاف جرى تهجيرهم من أرياف حلب وحماة وحمص من بدء التدخل الروسي، وآلاف أخرين جرى قتلهم في أرياف دمشق وحلب، هذه المعطيات الحقيقة التي تهم روسيا وحلفاءها كما أن هذه المحركات التي يشتغلون عليها، ويقيسون نجاحهم وحاجتهم للتفاوض عبرها، واللحظة التي سيعتبرون أنهم بحاجة فعلية للتفاوض هي اللحظة التي سيحققون فيها معدل القتل والتفريغ الذي يرونه مناسباً لاستتباب نظام حكم حليف لهم، في تلك اللحظة وللمفارقة أنهم هم من سيقول من حق الشعب السوري وحده تقرير مصير شكل الدولة ونظام الحكم الذي يريدونه، لكن في تلك اللحظة كم سيبقى من السوريين المعارضين.

قد يقول البعض ان هذا تشاؤم غير مبرر، الواقع أن من هندس عملية قتل أكثر من 300 ألف سوري وهجرة 5 ملايين لخارج سورية، سيعتقد أن إضافة أرقام أخرى قتلاً وتهجيراً لن يكون أمراً صعباً، بمزيد من السلاح واستخدام العنف المجنون بالإضافة إلى عمليات حصار وإرهاب المدنيين عبر إخفاءهم وممارسة سياسة البلطجة المفتوحة تجاه شعب أعزل سيحقق نتائج جيدة على هذا الصعيد، طالما أن هذا الشعب سائب ومهمل ولا أحد يحاسب قتلته بل ربما تجري مكافأة هؤلاء القتلة إذا استمر الانحراف في السياسة الدولية على هذا القدر من التسارع والانحطاط.

التعليقات

//