كلنا سوريون | العدد 41 | 20 كانون الأول 2015

فاضل الفاضل

قد لاتفضي الإشارة إلى التطابق بين مسوّدة البيان ونصّه الختاميّ إلى أيّ معنى؛ تطابق يقعد ساكناً حتّى في أخطائه، وحتّى بعد احتجاج حركة أحرار الشام ومقاطعتها للمؤتمر ثمّ عودتها؛ بقيت مسوّدة البيان على نصّها ممّا دفع الحركة إلى إصدار بيان تؤكّد فيه ثوابتها.

وقد يكون مفهوماً أن يلتقط صاغة البيان – والمؤتمرون – التسميات المتداولة في وسائل الإعلام؛ فلا ينشغلون بالتمييز بين الثورة والثوريّ وبين السلاح والمسلّح، فيصير التماثل تامّاً بين الثورة والسلاح والثوري والمسلّح، ثمّ بعد هذا التماثل والتكامل تنعطف المعارضة على هذا الواحد الأوّل بما هي مجال مستقلّ يتكافأ معه بالحكي، الحال الذي كان يفترض أنّ وظيفة المنشغل بالحكي هي التعبير عن إرادة المنشغل بالسلاح، وعقلنة إرادته وضبطها، إلى أن تصل الثورة إلى غاياتها.

غير أنّ الثورة قد غادرت وضوحها الأولي في سنتها الأولى، الذي عبّر ناسها عنه بشعار الحرّيّة والكرامة، غادرته إلى إبهام يحتجب فيه كل نزّاع إلى السلطة بقوّة السلاح أو بقوّة الحلفاء، فلا يعود مفهوم الشعب يمثل نزوع السوريّين إلى وجود سياسيّ ينتظم بقوانين تحدّد الحقوق والواجبات دون أيّ شكل من أشكال التمييز، بل يصير المفهوم إلى مجموعات عدديّة من البشر الرعايا مكمومة الأفواه بسلطة السلاح و (الفهلوة) والوقاحة، فشعب السلطة في سورية هو نفسه شعب الائتلاف وهو ذاته شعب هيئة التنسيق وشعب جيش الإسلام وحركة أحرار الشام والنصرة و “داعش” إلى آخر التشكيلات، وصولاً إلى شعب بيان مؤتمر الرياض الذي يشيد  بشعور المؤتمرين العميق بمسؤوليّتهم التاريخيّة اتجاه الشعب السوريّ الصامد، هذا الصمود الذي لايعني – بالطبع – صمود الناس تحت سلطة “داعش” وأخواتها، هؤلاء المؤتمرون الذين يلتزمون بالآليّة الديمقراطية “من خلال نظام تعدّديّ، يمثّل كافّة أطياف الشعب السوريّ”، هذه الأطياف التي هي مكوّنات المجتمع السوريّ من “العرب والأكراد والتركمان والآشوريّين والسريان والشركس والأرمن وغيرهم”، وهكذا يسعى بيان المؤتمرين إلى تعدّديّة طائفيّة وأقواميّة على الطريقة اللبنانيّة أوالعراقيّة، ولكنّ حركة أحرار الشام التي وقّعت على بيان المؤتمر ثمّ أصدرت بيان حدّدت فيه ثوابتها، قد أكّدت في ثابتها الرابع على “الحفاظ على وحدة سورية أرضاً وشعباً واستقلالها وسيادتها، ورفض المحاصصة الطائفيّة والسياسيّة” التي هي ليست إلّا تأكيدها في ثابتها الخامس “الحفاظ على الهويّة الإسلاميّة لشعبنا وثوابت ديننا الحنيف…” وهو الثابت الذي يحيل باستقامة إلى مفهوم الخلافة ومفهوم الذمّة.

ولكن، ليس من هموم صاحب البيان تضييق الخلاف بين الأطراف التي استجابت لدعوته، وليس من همومه توفير الشروط الممكنة لوقف المقتلة في سورية؛ لأنّه مشغول بسحب حلفائه من خانة الإرهاب، وبالتحشيد لكي يصادر تمثيل السوريّين في الصراع الإقليميّ الدوليّ على سورية واللعب على غموض اللغة الدبلوماسيّة، فلا يخطر في خططه أن يطلب ّمن حلفائه الانتقال من الخطاب الفقهيّ الذي يخفي المصالح والطموحات والرغبات إلى خطاب سياسيّ كاشف ومكشوف يعترف بالمختلف ويحاور ممكناته، ولا يعنّ له أن يطالب بوقف شامل للحرب؛ بل يطلب من الأمم المتّحدة أن تفرض على السلطة السوريّة المباشرة بالتعبير عن نوايا إيجابيّة من خلال: إيقاف أحكام الإعدام، وإطلاق سراح المعتقلين، وفكّ الحصار عن المناطق المحاصرة، والسماح بعودة اللاجئين ودخول المساعدات، وإيقاف قصف المدنيّين بالبراميل. وعلى هذا تدخل الهيئة المكلّفة – من قبله – بالتفاوض، والبنادق على الأكتاف ومدفع جهنم في الميدان، من أجل أن يسلّمها الطرف الآخر مفاتيح القصر؛ هكذا بكلّ الشبوبيّة اللطيفة والأريحيّة، وحينها تبدأ المرحلة الانتقاليّة التي من شروطها: حلّ الكيانات السياسيّة للمعارضة التي تنتفي الحاجة إليها حين تتربّع مكوّنات المجتمع السوريّ في سدّة الحكم، التي هي بتعدّدها وتمايزها تفرض آليّات ديمقراطيّة ترعى مصالح هذه المكوّنات وتحصّنها.

ليس غريباً مع هكذا دبلوماسيّة أن تستنفر الأطراف الأخرى فتعقد معارضتها مؤتمراً في شيراتون دمشق، وأن تعقد القوى المتضرّرة مؤتمر المالكيّة في الرميلان الذي انتخب “مجلس سوريا الديمقراطيّة”، واستاء لافروف الذي سيبرز قائمته ويفرض بعضها في الوقت المناسب، أمّا الجولاني – وما أدراك ما الجولاني – فتخوين المؤتمر والمؤتمرين هي ألطف تعبيراته، والأنكى من كلّ هذا أن من ينبغي عليه أن يتحلّى بروح رياضيّة، فيتخلّى مع زمرته عن سدّة الحكم،  قد وصم جميع المؤتمرين – قشة لفة – بالإرهاب.

لا معنى للسؤال عن الكيفيّة التي وافق فيها المؤتمرون في الرياض على بيان الرياض؛ ماداموا قد انتعشوا باللمّة كما يمكن الفهم من معظم تصريحاتهم. ولا معنى للتساؤل عن تكرارات البيان والتباساته وغموض مفهوماته؛ ما دام المطلوب هو تجميع هذا العدد المتنافر في كيس واحد، ولا معنى بالتالي في السؤال عن الوفد المفاوض ما دامت مرجعيته تظلّ على قيامتها في الرياض، وما دامت المفاوضات على الوفد المفاوض ستدور في الزمن القادم من أجل تعديله وتطعيمه. ويمتدّ اللامعنى ويدوم مادام بعض السوريّين يسعدهم أن يكونوا مطايا لمصالح الآخرين، وما دام جلّ السوريّين سيستمرّون تحت رحمة الصواريخ والبراميل وقذائف مدفع جهنم وغيرها، وقد أقفرت أحلامهم إلّا من رغبة أن يأمنوا على أنفسهم وعلى أولادهم، وما دامت الخيارات تبقى مفتوحة بين الهجرة والتشرّد والجوع والبرد، وأخيراً مادام السوريّون يتوزّعون بين قاتل ومقتول.

التعليقات

//