سوريتنا | العدد 221 | 13 كانون الأول 2015

عقيل حسين – صحفي سوري مقيم في فرنسا

لا يمكن تصوُّر مدى الألم الذي يتسبَّب به تحالف النظام وجميع الخصوم، فأيُّ نجاح تحقِّقه قوى الثورة والمعارضة على الصعيد السياسي؟، بل لن يكون من المبالغة القول: إنَّ النجاح على هذا الصعيد “صعيد السياسة” يوازي في أهميته، وأحياناً يفوق في تأثيره، النجاحَ العسكريَّ للثوَّار.

وهذا ما يدركه الجميع، لذلك يلقي جميعُ الأعداء بكلِّ ثقلهم لعرقلة أيِّ جهد يهدف إلى انتاج عمل سياسيٍّ معارضٍ وثوريٍّ يكون بمستوى التضحيات والتطلعات والآمال.

لا يحتاج هذا إلى شرح، لكنه باختصار يدمر قاعدةَ أنَّه “ليس هناك من نتفاوض معه” والتي دأب حلفُ النظام منذ البداية على ترديدها، مستغلاً تفرُّق صفِّ المعارضة والثوَّار، وعدمَ قدرتهم قبل مؤتمر الرياض على إنتاج مؤسسةٍ سياسيةٍ مجمعٍ عليها، ويمكن أن تكون صاحبةَ قرار.

كما لا يخفى أنَّ استمرارَ فشلِ المعارضة سياسياً هو أكثرُ ما يسعد أصحاب المشاريع الخاصة التي استغلت الثورة ثم خلعت قناعها، مثل “تنظيم الدولة”، وتلك التي ما زالت، وستظل، تتلطَّى بثوب الثورة طالما كان ذلك ممكناً ومفيداً لها، وهؤلاء ليس خافياً أنَّ نجاحهم مرهونٌ أصلاً ومرتبط بفشل مشروع الثورة السياسيِّ.

من أجل ذلك كان مؤتمر الرياض بمثابة الصفعة التي، وإن لم تكن قوية بما في الكفاية، كانت مؤلمة لكلِّ هؤلاء الأعداء و”المنافسين” الذين انتظروا فشل هذا المؤتمر، وكان يتوقعون تجدُّد الخلافات بين ممثلي القوى السياسية المعارضة والفصائل العسكرية الثورية.

بالنسبة لمن هاجموا المؤتمر منذ لحظة الإعلان عنه بسبب رفضهم من حيث المبدأ فكرةَ الحل السياسي، لا يمكن تحليل شيء مما لديهم طالما أنَّ الأمر محسومٌ بالنسبة لهم.

لكن لا يجب، في الوقت نفسه، تجاهل كلِّ الآراء التي يمكن تصنيفها في هذا السياق، وبالتحديد تلك التي تحمل قيمة علمية وسياسية، خاصة في ضوء التجارب السابقة للعديد من الشعوب التي لم تجنِ شيئاً من العمليات السياسية بالفعل، وعليه يكون مهماً التنبُّهُ والحذرُ، والإبقاء على كلِّ الاحتمالات والخيارات على الطاولة.

أما بالنسبة لجماعة النظام وحلفائه الذين يمكن أن توفر لنا ردود فعلهم، على الأقل، مساحةً جديدةً للضحك والابتسامة، والشماتة أيضاً بخيبتهم، فواقعُهم، وخاصة بعد المؤتمر وما تمخض عنه من نتائج، يؤكد مدى أهميَّة النجاحِ السياسي لقوى الثورة والمعارضة، ليس في هذه المناسبة وحسب، بل في كل المناسبات الممكنة.

ويكفي بهذا الصدد متابعة كتابات وتعليقات الأقلام ووسائل الإعلام التابعة لهذا الحلف، تعقيباً على مخرجات مؤتمر الرياض، وتعليقاً على الجهات التي دُعِيَت إليه، وتلك التي تمَّ تجاهلها، لنعلم إلى أيِّ حدٍّ أسقط في يدِ حلف النظام الذي كان ينتظر كما قلنا فشل المؤتمر.

لقد ضجَّت على الفور هذه الأقلام والمؤسسات الإعلامية بالصراخ والشتائم ضدَّ السعودية والفصائل والقوى التي حضر ممثلوها إلى الرياض، واتفقوا على تشكيل الهيئة التفاوضية، وجدَّدوا اتهام المشاركين بالإرهاب أو دعمه أو رعايته أو التعاون معه.

وإذا كان في ذلك رسالة للمجتمع الدولي بأنَّ من المشاركين في هذا المؤتمر من يشكلُ خطراً على العالم كما هو واضح، فإنَّ رسالتهم إلى الداخل، وخاصة للمؤيدين للنظام، أنَّ من شارك في مؤتمر الرياض لا يمثلُ الشعب السوري وليس لهم ثِقَلٌ على الأرض!!

ومرَّة أخرى يبدو تفنيد هذه الرسالة أبسط بكثير من أن تفنَّد فعلاً وأقلَّ من أن تعطى بالاً، وإلا، فإذا كانت فصائل الجيش الحرِّ والقوى الإسلامية ليس لها ثقلٌ على الأرض، فمن الذي يمتلك هذا الثقل إذاً؟!

أما بالنسبة للقوى السياسية، فإنَّ عدم اقتصار المشاركة على الائتلاف، ودعوة “هيئة التنسيق” رغم كلِّ الملاحظات عليها من قوى الثورة إلى المؤتمر، فقد كانت ضربة ذكية أخرى أسقطت من يدِ إيران ورسيا، والنظام بطبيعة الحال، ورقةً كانوا يعوِّلون على اللعب بها للتشكيك والانتقاص من أهمية وشمولية المؤتمر.

وأمام ذلك لم تجد هذه الأطراف سوى اللعب بورقة الأكراد بعد أن حصروا تمثيل هذا المكوّن بحزبِ الاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي كان قد ربط نفسه مسبقاً بالنظام وحلفائه، ولم تقبل قيادته، قبل أيِّ أحد أن تكون في صف الثورة وقواها المطالبة بحقِّ جميع السوريين.

والآن، وبعيداً عن كلِّ ردود الأفعال، فإنَّ ما لدينا بعد مؤتمر الرياض هو خطوة أولى، وحسب، على طريقٍ طويلٍ من العمل السياسي الذي لا يقلُّ خطورة وألغاماً عن النضال العسكري، وإذا كانت ثمَّةَ نصيحةٌ يمكن أن تقال هنا، فهي أن تحافظَ قوى الثورة على ثوابت كفاحها حتى النهاية، وعدم التخلي عن أيٍّ منهما قبل انتهاء المعركة وتحقيق أهداف الشعب وثورتها، وأن تبقى متيقظة ويدُها على الزناد لمنع أيِّ تلاعب بها، وهذا وحده ما سيضمن خيرَ الجميع، بمن فيهم من يرون غير ذلك، ممن لم يستفيدوا من تجارب الشعوب فيما مضى، وهذا يشمل مؤيدي النظام وكلَّ دول العالم والمنطقة، الذين عليهم أن يدركوا أنَّ خلاصهم في الحاضر وخيرَهم في المستقبل، رهنٌ، أولاً وأخيراً، بتحقيق التطلعات المشروعة لأصحاب التضحيات في هذه الثورة، وهذا يتطلب المساعدة على تحقيقها، لا عرقلتها أو التآمر عليها.

التعليقات

//