تعتبر ظواهر النزوح واللجوء والهجرة غير الشرعية من أهم تجليات الثورة السورية، وقد تصدرت عناوين الأخبار العربية والغربية منذ العام الثاني للثورة. وبالإضافة لأكثر من 4.5 مليون لاجئ ومهاجر حتى اليوم، نزح 6.5 مليون شخص من السوريين داخل سوريا من مناطقهم إلى مناطق أكثر أمنًا.

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على طريقة تعاطي الإعلام السوري البديل مع هذه الظواهر، ونقدم للدراسة باقتباس من العدد 110 من جريدة “سوريتنا” حول تعريف النزوح واللجوء والهجرة غير الشرعية.

إعداد: محمد رشدي شربجي وفراس برشان، بالتعاون مع أرشيف المطبوعات السورية

 

الهجرة غير الشرعية.. ظاهرة عالمية

تعرف الهجرة في علم السكان بأنها الانتقال، فرديًا كان أم جماعيًا، من موقع إلى آخر بحثًا عن وضع أفضل اجتماعيًا أو اقتصاديًا أو دينيًا أو سياسيًا. أما في علم الاجتماع فتدل على تبدل الحالة الاجتماعية، كتغيير الحرفة أو الطبقة الاجتماعية وغيرها.

وتعد الهجرة السرية أو غير القانونية أو غير الشرعية أو غير النظامية، ظاهرة عالمية موجودة في الدول المتقدمة كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وفي الدول النامية بآسيا، كدول الخليج ودول المشرق العربي، وفي أمريكا اللاتينية، حيث أصبحت بعض الدول كالأرجنتين وفنزويلا والمكسيك تشكل قبلة لمهاجرين قادمين من دول مجاورة، وفي أفريقيا حيث الحدود الموروثة عن الاستعمار لا تشكل بتاتًا بالنسبة للقبائل المجاورة حواجز عازلة، وخاصة في بعض الدول مثل ساحل العاج وأفريقيا الجنوبية ونيجيريا. ويصعب تحديد حجم الهجرة غير الشرعية نظرًا لطبيعة هذه الظاهرة، ولكون وضع المهاجر السري يشمل أصنافًا متباينة من المهاجرين فمنهم:

  • الأشخاص الذين يدخلون بطريقة غير قانونية إلى دول الاستقبال ولا يسوون أوضاعهم القانونية.
  • الأشخاص الذين يدخلون دول الاستقبال بطريقة قانونية ويمكثون فيها بعد انقضاء مدة الإقامة القانونية.
  • الأشخاص الذين يشتغلون بطريقة غير قانونية خلال إقامة مسموح بها.

وبالنظر إلى تعريف الهجرة يمكن القول إنها: حركة سكانية يتم فيها انتقال الفرد أو الجماعة من الموطن الأصلي إلى وطن جديد يختاره نتيجة أسباب عديدة. حيث تلجأ مجموعات من الأشخاص، إلى المهربين الذين يجهزون لرحلة محفوفة بالمخاطر ليصلوا إلى الشواطئ الإسبانية أو الإيطالية أو اليونانية، أو يتخطوا حدود الدول الأخرى.
النزوح

حركة الفرد أو المجموعة من مكان إلى آخر داخل حدود الدولة، ويتم النزوح رغمًا عن إرادة النازح بسبب مؤثر خارجي مهدد للحياة، كالمجاعة أو الحرب أو الجفاف أو التصحر أو أي كوراث أخرى تدفع النازح إلى مغادرة موقعه والتوجه إلى موقع آخر، طمعًا في الخلاص من تلك الظروف.

اللجوء

بحسب ما جاء في قانون تنظيم اللجوء رقم 45 لعام 1974 من قوانين معتمدية اللاجئين: كلمة لاجئ تشمل كل شخص يترك القطر الذي ينتمي إليه بجنسيته، خوفًا من الاضطهاد أو الخطر، بسبب العنصر أو الدين أو عضوية جماعة اجتماعية أو سياسية، أو خوفًا من العمليات الحربية أو الاعتداء الخارجي أو الاحتلال أو السيطرة الأجنبية أو الاضطرابات الداخلية، ولا يستطيع أو يرغب أحد، بسبب ذلك الخوف، من الرجوع إلى قطره، أو كان لا جنسية له ولكنه ترك القطر الذي يقيم فيه عادة بسبب تلك الأحداث ولا يستطيع أو يرغب بسبب الخوف في العودة إليه. ويشمل مصطلح لاجئ أيضًا الأطفال الذين لا يصحبهم كبار، أو الذين هم أيتام حرب، أو الذين اختفى أولياء أمورهم ويوجدون خارج الأقطار التي ينتمون إليها.

 

ما دوافع الهجرة؟

تعد الأزمات السياسية والاقتصادية والانفجارات الاجتماعية التي تشهدها دول العالم الثالث والحروب والصراعات الأهلية، أبرز ما يدفع المواطنين إلى الهجرة، يضاف إلى ذلك الشعور بالحرمان السياسي، والحرمان من الحق في العيش الكريم، ومغريات الهجرة. ويشكل الموت والسقوط في يد شبكات الإتجار بالبشر  أكثر مخاطر الهجرة غير الشرعية.

ومن أبرز الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالهجرة الاتفاقية 97 لعام 1949، و143 لعام 1975، و111 لعام 1958، ومن الجدير بالملاحظة أن جميع الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية تهدف إلى حماية حقوق العمال المهاجرين وتوفير فرص المساواة بينهم، أي أن اتفاقيات المنظمة تركز على العامل المهاجر الشرعي وتستثني أفراد أسرة العامل أو العمال المهاجرين بشكل غير شرعي.

 

لاجئ أم مهاجر.. أيهما أصح من وجهة نظر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين؟

في خبر نشرته مؤخرًا، تعتبر المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أنه لابد من الاستمرار باعتبار الأشخاص الذين وصلوا إلى إيطاليا واليونان والذين أتوا من دول غارقة بالحروب ويحتاجون إلى الحماية الدولية، لاجئين لا مهاجرين. وتصرح بأن استخدام اصطلاح لاجئ مهم، وذلك لأن الخلط بين المصطلحين يمكن أن يصرف الاهتمام عن الحماية القانونية الخاصة التي يحتاج إليها اللاجئون، مما قد يؤدي إلى إضعاف دعم اللاجئين وقضية اللجوء، في وقت يحتاج فيه المزيد من اللاجئين إلى هذه الحماية أكثر من أي وقت مضى.

 

حقوق اللاجئين

في العدد 160 من جريدة “سوريتنا” نشرت الجريدة مقالًا بغرض توعية اللاجئين بحقوقهم، نص الإعلان بشأن الملجأ الذي اعتمد ونشر بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 2312 عام 1967، على أن لكل فرد حق التماس ملجأ في بلدان أخرى، والتمتع به خلاصًا من الاضطهاد، ولا يمكن التذرع بهذا الحق إذا كانت هناك ملاحقة ناشئة بالفعل عن جريمة غير سياسية أو عن أعمال تناقض مقاصد الأمم المتحدة ومبادئها.

وتوصي الدول بمراعاة المبادئ التالية:

  • تحترم سائر الدول الأخرى الملجأ الذي تمنحه دولة ما، ممارسة منها لسيادتها، لأشخاص يحق لهم الالتجاء بالمادة 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومنهم المكافحون ضد الاستعمار، وبحال وجد مبرر للحيد عن هذا المبدأ تنظر الدولة المعنية في إمكانية منح الشخص المعني فرصة للذهاب إلى دولة أخرى، وذلك إما بمنحه ملجأ مؤقتًا أو بطريقة أخرى.
  • يكون وضع الأشخاص المشار إليهم محل اهتمام المجتمع الدولي دون إخلال بسيادة الدول المستضيفة.
  • ينبغي في حال مواجهة دولة ما مصاعب في منح اللجوء أو مواصلة منحه أن تتخذ الدول الأخرى تدابير لتخفيف العبء عن تلك الدولة.
  • لا يجوز إخضاع أي شخص من المشار إليهم لتدابير مثل منع دخوله عند الحدود، أو في حال دخوله للإقليم الذي ينشد اللجوء إليه، رده القسري أو إبعاده إلى أي دولة يمكن أن يتعرض فيها للاضطهاد. ولا يجوز الحيد عن ذلك إلا لأسباب قاهرة تتعلق بالأمن القومي، أو لحماية السكان، كما في حالة تدفق الأشخاص معًا بأعداد ضخمة.

 

الإعلام البديل..

كيف غطى موضوع الهجرة واللجوء؟

 

لا رائحة زيتون ومخلل في أوروبا (طلعنا عالحرية)

تبرز التغطيات الإخبارية للجوء والنزوح في جريدة “طلعنا عالحرية” بين العدد والآخر، فيرد مثلًا استقبال بلدة شهبا للنازحين من المناطق المنكوبة كدليل على وحدة الشعب السوري (العدد 12)، ومواجهة نازحي الغوطة الشرقية من دوما وعربين وحرستا ثنائية “الموت أو الإذلال” لدى نزوحهم للبلدات المجاورة (العدد 40).

وعن استضافة دول العالم للاجئين نجد في تغطيتي العددين 20 و22 أن “لبنان والأردن وتركيا لا يختلفون في تقصيرهم بحق اللاجئين“. وفي العدد 32 تغطية للقيود التي وضعت على اللجوء إلى مصر بعد عزل مرسي، وتبرير ذلك بأن سبب تغير المعاملة هو النظر إلى الثورة السورية على أنها حراك ذو طابع ديني، كما أن بعض السوريين تورطوا في أعمال شعب إبان عزل مرسي، وفي العدد 49 تغطية لنزوح لاجئي كوباني في مخيمات سروج التركية.

وفي البلدان التي لجأ إليها السوريون، يقيمون نشاطات ثقافية في ألمانيا (العدد 61)، ويشعرون بالحنين لوطنهم كما الكاتب حسين الزعبي )في العدد نفسه)، الذي وجد في أوروبا الكثير من الجمال، لكنه لم يشتم رائحة الزيتون والمخلل تنبعث من محال يقصدها من ضاقت بهم الدنيا بما رحبت، وفي العدد 23 ناشط ميداني يتسكع في شوارع أنقرة، يطالع الرومانسية الغريبة لدى الشباب والصبايا، فالعناق والقبلات في كل مكان، ثم يمر ببائع كتب ليعود ويتذكر سوق الحلبوني في دمشق الحبيبة ليحن إلى دمشق وكل ما فيها.

الثورة أصبحت نزاعًا بلا هدف (حنطة)

لا يخلو عدد من مجلة “حنطة”، الصادرة من مدينة “سلمية” في ريف حماة، من تغطية أو تحليل يتناول موضوع اللاجئين، فالمجلة ركزت في أعدادها الأولى على “تحول السلمية لمدينة إغاثة من الدرجة الأولى لأهالي حماة بعام 2011”، كما احتضانها لآلاف العائلات النازحة من البلدات المجاورة، واحتضان أهالي السلمية للنازحين بعد تفجير مقر اللجان الشعبية في السلمية وحمايتهم من هذه اللجان.

وفيما بعد ظهرت تغطيات لمواضيع قليلة التداول وتهم اللاجئ السوري، وهو ما تميزت به المجلة، مثل حاجز اللغة لدى مرضى مشفى غازي عينتاب (العدد 10)، والطريق الطويل للطلاب السوريين في جامعة غازي عينتاب (العدد 12)، بالإضافة إلى أزمة الانتماء لدى الأطفال اللاجئين وغيرها. وفي العدد 12 تعرض المجلة قصة لأربعة ثوار، اثنين منهما (أحدهما عسكري منشق والآخر طبيب أسنان) يرويان كيف تركا الثورة لكنها مازالت تعيش فيهما كفكرة، والثالث يعمل كرئيس تحرير مجلة متنقلًا بين الداخل والخارج، والرابع غادر الثورة لأنها أصبحت “نزاعا بلا هدف” وسيتنحى جانبًا حتى ينتهي الصراع المسلح. والحل أمام خسارة الثورة لأبنائها بالنسبة للكاتب هو “وضوح الرؤية بالنسبة للجميع، خصوصًا الثوار على الأرض”.

من فلسطيني إلى لاجئ سوري (سوريتنا)

تعتبر “سوريتنا” من أكثر الصحف كثافة بمادة التغطية التي تناولت موضوع اللاجئين، وفي كل الأعداد تقريبًا يشغل الموضوع حيزًا ثابتًا، هو الحد الأدنى لأخبار اللجوء التي يتم اقتباسها من المنظمات الدولية والإنسانية أو وكالات الأنباء العالمية، أو تقوم الصحيفة بإجراء تحقيقات خاصة بها.

في العدد 22 مقالة بعنوان “رسالة من فلسطيني إلى لاجئ سوري” يحذره فيها من التعود على أرض اللجوء ويطالبه بالعودة، وفي العدد 54 حديث اللاجئين لبعضهم هو “بالعودة إن شاء الله”، وفي تغطيات اللجوء السوري عرض للمشاكل التي يعانيها اللاجئون السوريون، وبالأخص في لبنان والأردن، بصورة حثيثة، وتحميل المسؤولية للحكومة اللبنانية فيما يتعرض له اللاجئون من عنصرية وظروف لجوء سيئة، ولوم الانقلاب العسكري في مصر على المصاعب التي يعانيها اللاجئون السوريون هناك.

في مقال لزليخة سالم في العدد 107 “بدلًا من أن تعمل الدول الغربية والأوروبية على إيجاد حل لثورة الشعب السوري فإنها تسمح باللجوء على أرضها لتستقبل الأدمغة والكوادر السورية ولتترك الحرب الدائرة على أرض سوريا مستمرة“. وفي العدد 89 تبيان لأهمية دور السوريين في الخارج في تكوين الرأي العام لدى الشعوب، وفي العدد 186 تغطية للمعاملة التي تلقاها النازحون في اللاذقية والتي وصفت بالطائفية.

وفي تغطيات اللجوء السوري في تركيا توعية بالتسهيلات القانونية والاقتصادية في الأعداد 182 و183، وبالمقابل عرض حثيث للمشاكل التي يعانيها اللاجئون السوريون في لبنان والأردن خصوصًا، وبقية الدول عمومًا، وتحميل المسؤولية للحكومة اللبنانية فيما يتعرض له اللاجئون من عنصرية وظروف لجوء سيئة.

الوطن خسر اللاجئين بشكل نهائي ( كلنا سوريون)

تحتل أخبار اللجوء والنزوح والهجرة مقالًا -أو أكثر– في صفحات التحقيقات في معظم أعداد الجريدة، ويلاحظ أن الجريدة حمّلت الميليشيات الكردية مسؤولية نزوح ولجوء العرب في بعض المناطق ووصفتها بالسياسة الممنهجة (العدد 32). كما نجد في العدد 40 مقالًا عن مصير الكوادر العلمية بعد اللجوء، “السوريون سيحققون نجاحات في بلاد اللجوء لكنها نجاحات فردية والوطن خسرهم بشكل نهائي، فما من ضمانة لعودة اللاجئين إلى سوريا”.

النظام يدفع الشباب للهجرة (تمدن)

بدءًا من العدد 59 وحتى العدد الأخير من “تمدن” (104) كانت قضية اللجوء والنزوح موضوعًا ثابتًا في كل الأعداد تقريبًا، “النظام يدفع الشباب للهجرة عبر مطاردتهم للالتحاق في الجيش”، تقول راما الحر في العدد 59، كما نجد تغطية عن اللاجئين في مخيم العتي في العدد 60، وفي العدد 62 عن الواقع الصحي للسوريين في تركيا.

العبور بحلة الطبخ (عين المدينة)

لم تغب قضية اللاجئين عن صفحات “عين المدينة”، بحسب الأعداد التي تابعناها بدءًا من العدد 24، وإن كان بعضها لا يخلو من طرافة، كمادة “العبور إلى تركيا بحلة الطبخ” في العدد 24، أو مادة “سبعة أيام حول سوريا”، التي تروي قصة أحمد الخارج “تهريبًا” إلى تركيا عابرًا على مختلف القوى من أكراد، أو داعش أو جيش حر وكتائب إسلامية، كما في العدد المزدوج 59،58. ومن الملاحظ أن معدل التغطية لأوضاع اللاجئين والنازحين انخفض قليلًا مع توسع مساحة التغطية لأفعال تنظيم الدولة، الذي احتل محافظة دير الزور، منشأ الجريدة، حيث تعتبر عين المدينة من أبرز الصحف التي اهتمت بهذا الشأن.

تركيا أحد أسباب معاناة السوريين (زيتون)

تغلب التقارير والتحقيقات على الأخبار في تغطية “زيتون” لموضوع اللاجئين، والتي تعتبر جيدة، ومن أبرز سمات التقارير والتحقيقات إلقاء اللوم على تركيا في المعاناة التي يتعرض لها اللاجئون السوريون. ففي العدد 67 انتقاد لغياب السياسات الواضحة في التعامل مع اللاجئين، والخطط الارتجالية للحكومة التركية في التعامل مع القضية، ذات الأمر في الأعداد 77 ،80،116.

وفي العدد 80 نجد مقالة تبرر للسوري لجوءه إلى عرض البحر في طريق الهجرة إلى أوروبا، وفي العدد 40 انتقاد للسوريين الذين مازالوا في سوريا وينتقدون المهاجرين، وفي العدد 27 نجد أن اللاجئ السوري في مخيم الزعتري يحن للعودة إلى سوريا، في حين أنه في العدد 97 يرجح كاتب مقال “التغريبة السهلة واستحالة التشريق” عدم عودة السوريين المهجرين على الإطلاق أو عودتهم بعد سنين طويلة.

“عنب أفرنجي”.. نشاطات سوريي الخارج (عنب بلدي)

تعتبر تغطية “عنب بلدي” لقضية النزوح الأفضل بين نظرائها، بالإضافة لتغطيتها الجيدة لموضوع اللجوء، وكثيرًا ما عنونت الصفحة الأخيرة بعنوان “عنب أفرنجي” لتسليط الضوء على نشاطات المجتمع المدني السوري خارج سوريا في دول اللجوء والاغتراب. كما قامت الجريدة بتغطيات مميزة للمشكلات الاجتماعية التي تواجه السوريين في بلاد اللجوء أو مشكلات التعليم والإغاثة.

واستمر انتقاد كل من لبنان والأردن ومصر “السيسي” في عدد كبير من المقالات، مقابل إيجابية في تعامل تركيا مع اللاجئين وإشادة بجهود الحكومة والشعب التركيين.

بينما تعتبر الهجرة “حلًا فرديًا سيشكل مشكلة لبقية أبناء الوطن، والبقاء في ساحة الوغى أفضل”، والتهجير “سياسة ممنهجة من قبل النظام” في العددين 30 و43 على التوالي (نهاية عام 2012)، نجد تعاطيًا إيجابيًا مع هجرة بعض الناشطين من الريف الدمشقي إلى ألمانيا، “الذين مازالوا يساهمون في الثورة أو يهيئون أنفسهم في الخارج لخدمة الثورة بشكل أكثر استدامة” في العدد 206 (بداية 2016).

يلاحظ في عدد كبير من المقالات عدم تمييز الاصطلاحات، فيطلق تعبير النزوح على اللجوء أو العكس، والأمر كذلك مع مصطلح الهجرة، وهو ما تلافته جرائد أخرى كانت تميز بين المصطلحات وتوضح الفروق القانونية بينها لتوعية السوريين بحقوقهم.

 

ماذا قال رؤساء التحرير؟

التزام أخلاقي وإنساني بغض النظر عن الفاعل

تنتقد ليلى الصفدي، رئيسة تحرير جريدة طلعنا عالحرية، غياب تغطية الوسائل الإعلامية والناشطين للانتهاكات ضد اللاجئين حين يتعلق الأمر بدولة داعمة للمعارضة مثل تركيا، وهي بذلك تشير لحادثة إغراق خفر السواحل التركي لسفينة مهاجرين سوريين في عرض البحر، “عندما يكون المنطق والأساس هو منظومة حقوق الإنسان فلا تعود هناك اعتبارات تذكر لجهة الفاعل أو المنتهك لهذه الحقوق، سواء كان النظام أم داعش أم وحدات حماية الشعب أو غيرها من الجهات الكثيرة التي تمارسالقتل والتهجير على الأرض السورية”، تضيف الصفدي.

خصوصية محلية تفرض أولويات أخرى

تعتبر مجلة عين المدينة الوحيدة الباقية من صحف دير الزور، وبالرغم من أن مأساة اللجوء تطال قسمًا كبيرًا من الديريين، إلا أن قضية تنظيم “الدولة” شغلت مساحة أوسع، “درجة التغطية ليست مرتبطة بمقدار التعاطف الذي هو كبير جدًا من جهة المجلة، وإنما مرتبط بإيجاد مواد متميزة يمكن تسليط الضوء عليها”، يقول طارق أحمد، مدير تحرير عين المدينة، “ونظرًا لخصوصية المحافظة، التي تعتبر أحد معاقل تنظيم الدولة، نرى أنه من الأفضل تسليط الضوء على هذه الظاهرة محاولين تشريحها ومقدار ضعفها وتهلهلها أمام الرأي العام”.

صحف الإعلام البديل ضحية أخرى من ضحايا اللجوء

“جريدة تمدن ولدت في بلدان اللجوء، وتحديدًا في تركيا ولبنان”، يقول دياب سرية رئيس تحرير “تمدن” مبينًا تأثير اللجوء على نشأة جريدته. “كانت في البداية موقعًا إلكترونيًا اسمه (دومينو)، يهدف إلى نقل صورة الحراك المدني في سوريا ونقل أخبار المظاهرات، لكن المضايقات الأمنية وتحول الثورة إلى التسلح، بالإضافة لقلة التمويل، دفعتنا للخروج من سوريا إلى بلدان اللجوء في الجوار، وهناك قررنا إطلاق جريدة تمدن للتعبير عن الوجه المدني للثورة وللتأكيد على قيم الثورة الأولى”.

لم يكن الخروج والاستقرار في بلدان اللجوء بدون مشكلات أيضًا بالنسبة لـ “تمدن”، وأولى هذه المشكلات هي “الانتقادات الموجهة بأننا صحيفة تدار من تركيا وبأن خطابها متعال على الناس، يشجع على العلمانية وينتقد الدين، بالإضافة لوجود حالة عند السوريين متعقلة بقضية الداخل والخارج، ووجود حالة ما يشبه الإجماع في البداية، على أن من في الخارج لا يحق له الحديث بلسان الداخل”.

ولكن هذه المشكلة تبدو أقل تأثيرًا أمام المشكلة الجديدة، والتي لم تستطع “تمدن”، وغيرها، التعامل معها، وهي نزيف الكودار إلى أوروبا، “فبعد هجرة الكوادر من سوريا إلى دول الجوار، انتقلنا إلى مرحلة ثانية هي هجرتهم إلى أوروبا، ما جعل الجريدة تخسر كوادر تم تدريبها على مدار سنتين، وبشكل سريع دون تعويض هذا النقص”.

ويعتقد سرية أن كثرة اللاجئين الواصلين إلى أوروبا جعل المنظمات الأوروبية تفضل دعم اللاجئين على دعم وسائل الإعلام البديل، “وهو ما جعلنا ننتقل من صحيفة أسبوعية إلى صحيفة نصف شهرية بشكل مؤقت للأسف”.

ذات المشكلات واجهتها جريدة سوريتنا، “خسرنا ثلاثة صحفيين أساسيين واثنين آخرين كانا يعملان بشكل حر”، يقول جواد أبو المنى رئيس تحرير الجريدة، مضيفًا “العمل مع صحف الإعلام البديل غير مستقر لأكثر من ثلاثة أشهر بأحسن الأحوال، وليس لدينا استراتيجية لأكثر من هذه الفترة، بسبب المانحين والظروف الاقتصادية بشكل أساسي، والعقبات القانونية الكثيرة في تركيا، حاولنا قدر الإمكان تأمين وضع مستقر نسبيًا للكوادر، ولكن هذا صعب جدًا في ظل وجود تمويل غير مستقر أساسًا”.

جريدة عنب بلدي، اضطر معظم كادرها للخروج من مدينة داريا، مكان إصدار الجريدة، إلى بلدان اللجوء، ولكن بالرغم من ذلك استطاعت تجاوز عدد من المشكلات التي خلقتها أزمة اللجوء عند عدد كبير من الصحف، بحسب جواد شربجي، رئيس تحرير الصحيفة، موضحًا أن عنب بلدي لم تتأثر بشكل واضح حتى اليوم بهذه المشكلة، فكوادرها ثابتة ومستقرة، “وأظن أن ذلك يعود بشكل رئيسي لوجود نظام مؤسسي يقدم ضمانات نسبية للموظفين، كالتعاقد ونظام التعويضات والحوافز، وظروف العمل الملائمة، وهو ما جنبنا حتى الآن، العوائق التي واجهت كثير من الصحف الزميلة”.

 

خلاصة ما سبق

مع أفضلية لصحف على أخرى، فقضيتا اللجوء والهجرة أخذتا حجمًا واسعًا من التغطية في صحف الإعلام السوري البديل (الجديد)، ويلاحظ أن القضيتين تستغرقان أحيانًا نصف صحيفة، أو تشغلان مقالة دورية في كل عدد، أو سلسلة مقالات، أو تغطية خاصة. أما قضية النزوح فتأخذ حيزًا أقل من التغطية، يصل لحد التقصير في الاهتمام بهذه الظاهرة، في كافة الصحف التي قمنا بتغطيتها، خاصة بعد بدء العام 2013، ويمكن تبرير ذلك بكون معظم النازحين يتجهون إلى مناطق سيطرة النظام، مما يشكل صعوبة في تغطية أوضاعهم هناك.

كما يلاحظ بشكل عام عدم توجيه أصابع الاتهام في لجوء الأهالي لغير النظام والميليشيات الموالية له، ففي التغطيات التي تابعناها لم يتم لوم الجيش الحر على تحريره لمدن وبلدات جديدة مثلًا، ولم يُلَم الأكراد، أو تنظيم الدولة الإسلامية على قضية اللجوء.

وأخيرًا نجد تجاهلًا في الصحف السورية الجديدة للشائعات الإعلامية التي روجها النظام والتي تستهدف اللاجئين بصورة عامة وتطعن بهم، وتركيزًا على مفاهيم “عدم التنكر للوطن” والحنين له، و”حق العودة” إليه، إن صحت استعارة التعبير من المأساة الفلسطينية.

على المؤسسات الدولية الداعمة تدارك وسائل الإعلام البديل قبل أن يزداد تأثير أزمة اللجوء عليها، وأفضل استثمار برأينا هو دعم المأسسة في هذه الوسائل، ودعم كوادرها بالحاجات المادية والقانونية، ما يمكنهم من الاستمرار في عملهم الصحفي، سواء داخل سوريا أو في دول الجوار.

كما يجب على الصحف التي استطاعت تفادي تأثير اللجوء على أدائها أن تشارك تجربتها مع الصحف الزميلة لها، فإبقاء هذه الصحف هو قوة للصوت المدني الديموقراطي في سوريا، وتراجع أي منها ينعكس بشكل مباشر  في المحصلة على رسالة جميع الصحف.

 

أهم محطات اللجوء السوري منذ بدء الثورة حتى تشرين الثاني 2015:

  • نيسان 2011: لجأ 5000 سوري إلى لبنان من المناطق المحاذية للحدود.
  • حزيران 2011: لجوء آلاف السوريين من جسر الشغور إلى تركيا، قام النظام السوري بترويج حملات دعائية لتشويه صورتهم.
  • تموز 2011: اتجهت أولى قوافل اللجوء السوري إلى الأردن.
  • نيسان 2012: افتتاح أول مخيم للجوء في كردستان العراق.
  • تموز 2012: نزوح 200000 مدني من حلب لجأ منهم الآلاف إلى تركيا، وافتتاح مخيم الزعتري في الأردن ليضم113000 لاجئ.
  • أيلول 2012: مظاهرات في مخيم الزعتري وعودة أكثر من 6000 لاجئ منه إلى سوريا.
  • كانون الثاني 2013: شهدت مخيمات اللجوء في الدول المجاورة لسوريا عواصف ثلجية أدت لمعاناة كبيرة للاجئين، تسجيل 12 حالة وفاة من البرد.
  • يلول 2013: عدد اللاجئين السوريين يتجاوز المليونين، موافقة ألمانيا على إعادة توطين 5000 لاجئ سوري، السويد تعلن عن استعدادها لمنح الإقامة الدائمة للسوريين.
  • تشرين الثاني 2013: تقرير تلفزيوني لقيام اليونان بحملات عسكرية منظمة لرصد اللاجئين في البحر المتوسط ومنعهم من مواصلة رحلتهم، وبلغاريا تبني سياجًا على حدودها مع تركيا.
  • كانون الأول 2013: أكبر حملة تلقيح ضد شلل الأطفال في تاريخ المنطقة في سوريا والدول المجاورة.
  • شباط 2014: انتشرت في وسائل الإعلام قصة مروان، الفتى ذو الأربع سنوات الذي يعبر الحدود الأردنية لوحده دون أبويه، الأمم المتحدة تنذر بأن عشرة آلاف طفل مهددون بالوفاة بسبب عوز التغذية في مخيمات لبنان.
  • آذار 2014: أثار فيديو لطفلة بريطانية تحاكي فيه معاناة الأطفال اللاجئين الرأي العام العالمي من جديد.
  • حزيران 2014: إعلان الدولة الإسلامية في العراق والشام، نزوح ولجوء 1.2 مليون عراقي منهم نصف مليون عراقي من الموصل.
  • أيلول 2014: لجوء 130000 كردي إلى تركيا إثر المواجهات مع تنظيم الدولة الإسلامية.
  • تشرين الأول 2014: لبنان يغلق حدوده أمام اللاجئين السوريين.
  • نيسان 2014: بلغ عدد القتلى نتيجة غرق أحد مراكب الهجرة في البحر المتوسط 800 قتيل ليسجل بذلك شهر نيسان كأعلى شهر حدثت فيه وفيات في البحر المتوسط لمهاجرين على الإطلاق.
  • تموز 2015: 50000 لاجئ وصلوا اليونان في هذا الشهر، هنغاريا تقيم سياجًا على الحدود مع صربيا، الاتحاد الاوروبي يوافق على استقبال 32000 لاجئ من اليونان وإيطاليا.
  • آب 2015: عثر على 71 جثة للاجئين سوريين في شاحنة مركونة على جانب الطريق في النمسا، 156000 لاجئ دخلوا دول أوروبا في هذا الشهر ليصل في نهاية العام ل500000 لاجئ.
  • أيلول 2015: انتشرت صورة إيلان الكردي، وهي صورة لجثة الطفل ذي الثلاثة أعوام في وسائل الإعلام لتثير ضجة كبيرة، توافقت بعدها بأيام كل من بريطانيا على قبول 20000 لاجئ جديد، وفرنسا على قبول 24000 لاجئ، ترصد ألمانيا مبلغ ستة مليارات يورو في استعداداها لاستقبال 800000 لاجئ.
  • تشرين الثاني 2015: وقوع عدة هجمات متزامنة في باريس تبناها تنظيم الدولة الإسلامية أدت لمقتل العشرات، أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا تصعد دعوتها ضد اللاجئين.

 

التعليقات

//