النبأ | العدد 69 | 01 آذار 2016
مجاهد ديرانية
- وصلنا أخيراً إلى مفترق الطرق، وهي محطة عملنا منذ وقت طويل لا محالة. كل من يقف في وجه الحل السياسي الجائر (الذي تسعى أمريكا إلى فرضه على الثورة تحت المظلة الدولية) سيغدو متمرداً إرهابياُ خارجاً عن القانون، هذا هو ما يقوله صك الاستسلام المسمى” بيان وقف إطلاق النار”: مَن لا يعلن التزامه بشروط وقف الأعمال العدائية فهو هدف مشروع لنظام الاحتلال الأسدي ولقوات الغزو الروسية ولأمريكا والتحالف الدولي.
- صك الاستسلام، أو بيان وقف الأعمال القتالية الناتج عم اجتماع وزيري خارجية أعظم دولتين عدوتين للشعب السوري في العالم، أمريكا وروسيا، لا يهتم أقل اهتمام بإرادة الشعب السوري ولا يبالي برغباته، وهو يتجاهل صوت السوريين ورأي المعارضة السورية، السياسية والعسكرية منها على السواء، لذلك لم أجد له وصفاً أفضل من الوصف الذي انتشر بين الناشطين خلال اليوميين الأخيرين: اتفاق “كيري لافروف” هو النسخة الجديدة من اتفاق “سايكس بيكو”، اتفاقان مشؤومان يفصل بينهما مئة عام بالتمام.
- لا يعترف صك الاستسلام بثورة الشعب السوري ولا يهتم بأهدافها، وهو يكرّس بقاء نظام الاحتلال الأسدي ويبارك بقاء مليشيات القتل والإجرام الطائفية في سوريا، ويحصر اهتمامه كلّه بمحاربة الإرهاب، زاعماً أنه يريد القضاء على عصابة داعش التي كانت له اليد الطولى في تربيتها وتنميتها وتهيئة الظروف المناسبة لتمددها وانتشارها. الآن عرفَ من لم يعرف من قبلُ لماذا صنعوا داعش ولماذا سَمّنوها. لن يغفل عن هذه الحقيقة بعد اليوم إلا البهائم والأغبياء.
- كان بيان فيينّا انتكاسةً بالنسبة لإعلان جنيف، وبيان ميونخ انتكاسة وكارثة بالنسبة لبيان فيينا. فبينما ربط إعلان فيينا وقف إطلاق النار بالعملية التفاوضية المؤسَّسة على إجراءات حسن النية (إطلاق المعتقلين ووقف القصف وفك الحصار) فإن بيان ميونخ فصلَ بين الأمرين، فسعى إلى فرض إطلاق النار بمعزل عن المسار السياسي ودون أي التزامات أو ضمانات، ينص صك الاستسلام على ما تريد الدولتان تطبيقَه دون مراعاة لحقوق السوريين، فضلاً عن تضحياتهم في سبيل الحرية والاستقلال. لم يقدم صك الاستسلام إيّ جائزة للشعب السوري، ولاحتى جائزة ترضية، ولم يقدم أي ضمانات لتنفيذ أي التزامات، أن نصفه بأنه “أحلام وتمنيات” وليس خطة سلام، ولكنها أحلام مدعومة بقوة أقوى دولتين في العالم، أحلام يراد لها أن تغدو عمّا قريب واقعاً بقوة البوارج والصواريخ والطائرات.
- يمنح صك الاستسلام روسيا الحق القانوني في قصف مَن تشاء بذريعة تطبيق وقف إطلاق النار دولة احتلال محالفة مع نظام الأسد صارت اليوم راعية للسلام ومشرفة على وقف إطلاق النار، وتملك الحق باختيار وضرب الأهداف! روسيا أرادت منذ البداية أن يكون جيش الإسلام ومعه حركة أحرار الشام ضمن قائمة المنظمات الإرهابية التي ينبغي ضربها، وهي ستملك –بموجب صك الاستسلام-الحق القانوني لتعمل ما تريد. هذا الصك يعني القضاء الكامل على جيش الإسلام وأحرار الشام لا قدر الله.
- بموجب صك الاستسلام سيغدو جيش الاحتلال الأسدي (ومعه عصاباته وميلشياته الإيرانية والأفغانية والعراقية واللبنانية) سيغدو الشرعية التي سيعترف بها المجتمع الدولي ويخوّلها بمحاربة الإرهاب في سوريا، بل إنه الوحيد الذي سيُمنح هذا الحق من بين جميع القوى العسكرية على الأرض السورية. أي أنه سيحصل على “وكالة حصرية لمحاربة الإرهاب” وسيكون من حقه إصدار “وكالات فرعية” طبعاً بالشروط والمواصفات القياسية الأسدية.
- بموجب صك الاستسلام ستُمنع القوى الثورية الوطنية من قتال النظام. وحيث إن كل المليشيات التابعة للنظام اعتُبرت جزءاً من النظام في هذا الصك المُهين فإنه يبيح للنظام ولتلك المليشيات محاربة الجهات الإرهابية (بتعريفها طبعاً) ويمنع القوى الثورية من الرد بالمثل أو الدفاع عن النفس أو الأرض أو إطلاق رصاصة واحدة على النظام ومليشيات النظام.
- باختصار: إن مشروع وقف إطلاق النار هو انتصار لنظام الأسد وهزيمة للثورة، لذلك لم يكن غريباً أن يبادر النظام إلى الموافقة عليه على الفور، وأن تنشر”سانا” تصريحاً لمسؤول في وزارة خارجية النظام يؤكد استعداد حكومته “لاستمرار التنسيق مع الجانب الروسي لتحديد المناطق والمجموعات المسلحة التي سيشملها هذا الوقف طيلة مدة سريانه”، أي بعبارة أخرى: سوف يستمر النظام وحلفاؤه في القتال –تحت المظلة الأممية-حتى استئصال الثورة.
- ما هو الخيار الذي تملكه الثورة؟
إنها تملك مجموعة من الخيارات، أولها التوقيع على صك الاستسلام. الثاني: رفضه والاستمرار في الثورة أشتاتاً متفرّقين متنازعين، الفصائل العسكرية والكيانات السياسية. الثالث هو رفض صك الاستسلام والاستمرار في الثورة، مع التكتل والتكامل بين الفصائل والهيئة العليا للمفاوضات، التي صارت هي الممثل السياسي الحقيقي للثورة.
إن الدعوة إلى القبول بمشروع وقف إطلاق النار هي دعوة إلى الذل والمهانة والاستسلام للعدو والعودة إلى حالة أسوأ من الحالة التي كانت قبل الثورة، وإن بقاء التشرذم الفصائلي جريمة في حق الثورة، وإن الفصام المحزن بين الكيانات العسكرية والسياسية مدخل إلى الفشل المحتوم.
لم يبقَ لنا إلا الخيار الثالث: رفض صك الاستسلام والاستمرار في الثورة، مع التكتل بين مؤسسات الثورة العسكرية والسياسية والشعبية. أعتقد أن هذا هو الخيار المنطقي الوحيد الذي نملكه حالياً، وأتوقع أننا سندفع ثمناً باهظاً عندما نختاره، لكنني لا أجد أي بديل عنه سوى المذلة والهزيمة والانكسار والخسار.