العهد – العدد 48 – 15/09/2015
العهد – مصعب الناصر
أثارت بعض المواقف الأوروبية الأخيرة من القضية السورية، جملة من التساؤلات، بعد دعوة عدد من الدول، إلى التفاوض مع بشار الأسد، وإشراك إيران وروسيا في هذه المفاوضات.
تأتي هذه التطورات متزامنة مع إعلان المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي مستورا تفاصيل خطته، التي لم تتطرق إلى مصير الأسد.
ويبدو أنّ تحوّل انتباه العالم في الأسابيع الأخيرة من جديد صوب سورية مع تدفّق عشرات الآلاف من اللاجئين على أوروبا، منح الحديث عن “الحل السياسي” دفعة أخرى.
روسيا، التي أصبحت مؤخراً “مزاراً” للوفود الباحثة عن الحل السياسي في سورية، فاجأت العالم برفع وتيرة دعمها العسكري لنظام الأسد، الأمر الذي أثار قلقاً لدى الغرب، في ظل الغموض الذي يحيط بأهداف روسيا.
مفاوضة الأسد
الولايات المتحدة الأميركية أكدّت مجدداً التزامها بالعمل من أجل الإطاحة بنظام بشار الأسد، وذلك عقب اجتماع مبعوثها الخاص إلى سورية مايكل راتني مع المسؤولين الروس في موسكو، في ظل الجهود الدولية لإنهاء الأزمة السورية.
وقالت الخارجية الأمريكية في بيان “الولايات المتحدة تواصل التزامها القوي بتحقيق انتقال سياسي حقيقي قائم على التفاوض بعيداً عن بشار الأسد بهدف وضع حد للعنف.
الموقف ذاته أكّده وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي قال إنّ بشار الأسد فقد الشرعية ولا مكان له
في مستقبل سورية.
وشدّد الجبير -في مؤتمر صحفي جمعه ونظيره البريطاني فيليب هاموند- على أن هذا الموقف “واقع لا مساومة فيه”.
وزير الخارجية البريطاني “فيليب هاموند” قال إنّ بشار الأسد يمكن أن يكون جزءاً من خطة لمرحلة انتقالية في سورية، لكنّه أكّد أنّه لا يمكن للأسد أن يكون جزءاً من مستقبل سورية.
وأوضح هاموند “إن كانت هناك خطة لمرحلة انتقالية يكون فيها بشار الأسد، يمكننا بحث ذلك، فنحن لم نقل إن عليه
الذهاب من أول يوم لتلك المرحلة”.
وأشار “هاموند” في حديث له أمام لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان البريطاني إلى تصريحات روسية حول
“استعداد الأسد لإجراء انتخابات مبكرة، وتقاسم السلطة مع المعارضة”.
وفي تعليق منه على تلك التصريحات قال الوزير البريطاني “هذا الشيء لا يمكن قبوله، والمجتمع الدولي لا
يرحّب بوجود رئيس كبشار الأسد الذي ارتكب مجازر، في مستقبل سورية”.
وطلب “هاموند” من روسيا وإيران أن تستخدما تأثيرهما الكبير للضغط على نظام الأسد، موضحاً أنّ “روسيا وإيران
بإمكانهما اليوم أن يتصلا بدمشق ويغيرا مستقبل الوضع الراهن في سورية”.
ونقلت وسائل u1573 إعلامية بريطانية عدم تغيير الحكومة لموقفها الداعي إلى ضرورة “عدم لعب الأسد دورا طويل الأمد في مستقبل سورية”.
أمّا النمسا وإسبانيا فقد دعتا إلى ضرورة التفاوض مع بشار الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين.
وقال وزير الخارجية النمساوي سيبستيان كورتز “نحتاج مقاربة موضوعية موحدة تتضمن إشراك الرئيس السوري بشار الأسد في الحرب ضد تنظيم الدولة”.
وأضاف في مؤتمر صحفي على هامش زيارة رسمية مع رئيس النمسا إلى طهران “يجب ألا ننسى جرائم الأسد، ولكن علينا أن نتذكر أنّه يقف في نفس الجانب ضد تنظيم الدولة”. ورأى كورتز أن “الأولوية هي محاربة الإرهاب، ولن يتحقق ذلك من غير قوى مثل روسيا وإيران”.
من جهته، دعا وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل غارسيا- مارغايو إلى “التفاوض” مع الأسد على “وقف لإطلاق النار، مؤكداً أنّ “السام دائماً ما يصنع مع الأعداء”.
ورأى الوزير الإسباني في ختام زيارة رسمية إلى إيران أنه من الضروري “التفاوض” مع الأسد على “وقف جزئي لإطاق النار، يبدأ من حلب وصولاً إلى وقف شامل لإطاق النار”.
المستشارة الألمانية، “أنجيا ميركل” أكّدت، على ضرورة بذل كافة الجهود الدبلوماسية، لإيجاد حلّ للحرب في سورية.
وقالت المستشارة الالمانية إنّ ألمانيا سترحب بمشاركة إيران في أي مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب في سورية.
وعندما سئلت إن كانت تعتقد أنّ ايران يمكنها أن تقوم بأيّ دور بناء قالت ميركل “أعتقد أن إيران لها قدر كبير من النفوذ على ما يحدث في سورية. وأيّ طرف موضع ترحيب للمشاركة بطريقة بناءة في المفاوضات”.
وزارة الخارجية الروسية استنكرت تقارير إعلامية تفيد بتغير موقف موسكو من “الصراع” في سورية ومستقبل الأسد، ووصفتها “بالتلفيقات والمغالطات”.
أمّا الرئيس الإيراني حسن روحاني فقد قال يوم الثلاثاء 8/ 9 إنّ بلاده مستعدة لأن تجلس مع خصومها لمناقشة الأزمة السورية، لكنّه أشار إلى أنّ طهران لن تبحث مستقبل الأسد حتى يتحقق السلام.
ورداً على سؤال عما إذا كانت باده تبحث الشأن السوري مع السعودية والولايات المتحدة قال روحاني “سنجلس إلى أي طاولة مع دول داخل المنطقة وخارجها”.
وأضاف “الشعب السوري يقتل ويفقد بيوته… أولويتنا القصوى هي وقف سفك الدماء وتحقيق الأمن والسماح للناس بالعودة إلى بيوتهم حينها يمكننا الحديث عن المستقبل”.
وكان روحاني يتحدث في مؤتمر صحفي مشترك مع الرئيس النمساوي هاينز فيشر في طهران في أول زيارة يقوم بها رئيس دولة من الاتحاد الأوروبي لإيران منذ أكثر من عشر سنوات.
ودعا روحاني القوى الرئيسية في الاتحاد الأوروبي والشرق الأوسط إلى إيجاد حل للأزمة. وأردف “إذا أصبحت سورية في يوم ما أكثر أمناً، سيصبّ هذا في مصلحة المنطقة والعالم بالكامل”.
وكان حسين عبد اللهيان –نائب وزير الخارجية الإيراني- أعلن يوم الخميس 3/ 9 من العاصمة السورية دمشق أنّ باده قدمت مبادرة لحلّ الأزمة السورية إلى بشار الأسد.
وقال اللهيان إنّ أيّ مبادرة ناجحة لا بد أن تأخذ بالاعتبار “دور الأسد المحوري وحكومته”، مضيفا أن الأسد رحب بالمبادرة الإيرانية.
ولم يرشح شيء رسمي عن مضمون الخطة، إلا أن قناة “الميادين” التلفزيونية التي تبث من بيروت ذكرت أنّ المبادرة تقترح “وقفاً فورياً لإطلاق النار في سورية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وتعديل الدستور بهدف ضمان حقوق الأقليات الإثنية والدينية، وإجراء انتخابات يشرف عليها مراقبون دوليون”.
وقال عبد اللهيان في مؤتمره اليوم “نحن نعتبر أنّ أيّ مشروع ناجح لحل الأزمة السورية لا بد أن يأخذ بالاعتبار الدور المركزي للشعب السوري في تقرير مستقبله ومصيره.
وسوف تكون مسألة مكافحة الإرهاب مسالة أساسية وهامة. ولا بد أن يكون دور الحكومة السياسية ودور الأسد دورا أساسيا ومحوريا في الآلية السياسية المحتملة لهذا الحل”.
وثيقة دي مستورا
المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، قدّم وثيقة للحل السياسي عبر ثلاث مراحل لتنفيذ بيان جنيف.
وتدعو الوثيقة، التي كشفت عنها صحيفة “الحياة”، إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، ومجلس عسكري مشترك من النظام والمعارضة في مرحلة انتقالية توصل البلاد إلى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة.
وتقترح الوثيقة خريطة طريق لتنفيذ بيان جنيف، مقسمةً مسيرة الحل إلى ثلاث مراحل أولاها مرحلة التفاوض.
وتستند المرحلة الأولى إلى بيان جنيف للوصول إلى اتفاق مرحلي، يتضمن وقفاً دائماً لإطاق النار، وتعاون القوات المقاتلة عدا الفصائل “الإرهابية”، وإصلاح القطاع الأمني وصولاً إلى تشكيل سلطات انتقالية.
والمرحلة الثانية هي المرحلة الانتقالية، ويتم فيها إنشاء هيئة حاكمة انتقالية بسلطة مطلقة في جميع الشؤون العسكرية والأمنية وتشرف على المجلس العسكري المشترك.
وتشير الوثيقة إلى اتفاق الطرفين على قائمة من 120 مسؤولاً لن يستلموا أي منصب رسمي خلال المرحلة الانتقالية، بسبب الدور الذي أدّوه في الصراع.
أمّا المرحلة الأخيرة بحسب الوثيقة فهي مرحلة الدولة السورية في شكلها النهائي حيث تؤدي المرحلة الانتقالية إلى الوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية برعاية الأمم المتحدة.
ولم تُشر الوثيقة التي نشرتها صحيفة الحياة إلى بشار الأسد، إلا أنّها اقترحت تأسيس المؤتمر الوطني السوري من الحكومة والمعارضة والمجتمع المدني.
كما التزمت الوثيقة بالحفاظ على المؤسسات الرسمية وإصلاحها، ويشمل ذلك الجيش، مع رفض أي اجتثاث لحزب البعث.
تداعيات أزمة اللاجئين
ويبدو أنّ تصدر مأساة اللاجئين لواجهة الأحداث في العالم، أصبح دافعاً إضافياً للحديث عن حل سياسي للأزمة، خاصة مع تتابع التصريحات بأنّ عدم إيجاد حل سياسي في سورية وليبيا سبب رئيسي لمشكلة اللاجئين.
وخلال اجتماع للبرلمان الأوروبي أقرّت خلاله إجراءات عاجلة لتحسين توزيع اللاجئين على الدول الأعضاء وإنشاء آلية دائمة لهذا الغرض، قال رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر إنّ عدم إيجاد حل للأزمة في سورية وليبيا فاقم مشكلة اللاجئين التي تواجهها أوروبا.
من جهته، قال مفوّض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين أنطونيو غوتيريس إنّ أفضل حل لأزمة اللاجئين هو إنهاء الحرب في سورية.
وأكد في لقاء مع الجزيرة أنه لا يوجد حل إنساني لمشكلة إنسانية، وأن الحل دائما سياسي. وطالب الدول الأوروبية بالاتفاق على إيواء اللاجئين.
روسيا والتدخل عسكري
تعزيز روسيا للتواجد العسكري الروسي في سورية أثار جدلاً واسعاً، حيث نقلت وكالة رويترز عن مسؤوليْن أميركييْن قولهم إنّ روسيا أرسلت خلال الأيام الماضية سفن إمداد إلى مرفأ طرطوس، وطائرات شحن ونقل أفراد عملاقة إلى مطار باسل الأسد في اللاذقية.
ورُصد أيضاً آليات لنقل الجند وعشرات الجنود الروس، في المطار الذي يضم أيضاً مباني مسبقة الصنع يمكن أن تؤوي مئات الأشخاص ومعدات للمراقبة الجوية.
كما أكّدت صحيفة “كومرسانت” الروسية أنّ روسيا تمدّ جيش الأسد بعتاد يشمل أسلحة صغيرة، وقاذفات قنابل، وناقلات جنود مدرعة من طراز بي تي آر- 82 أي، وشاحنات كاماز العسكرية.
وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت “الإسرائيلية” نشرت قبل أيام أنّ روسيا بدأت تنفيذ خطة للتدخل المباشر في سورية، وأرسلت طائرات ميغ 31 المتطورة )اعتراضية( التي استقرت في مطار المزة، ودفعة من صواريخ “كورنيت 5 ” المتطورة، وطائرات مروحية، ودبابات “تي 92 ” مع أطقمها، وسرباً من طائرات سوخوي 30 )طائرة تفوق جوي متعددة المهام(، وصواريخ جو أرض.
إضافة إلى ذلك، نقلت وكالة رويترز و ثلاثة مصادر لبنانية على دراية بالوضع السياسي والعسكري في سورية يوم الأربعاء 9/ 9 أنّ قوات روسية بدأت تشارك في عمليات عسكرية هناك دعماً لقوات الأسد.
وقال اثنان من المصادر اللبنانية إن الروس يبنون قاعدتين في سورية إحداهما قرب الساحل والأخرى على عمق أكبر في البر لتكون قاعدة للعمليات.
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف اعترف بنقل الجنود والعتاد إلى سورية، قائلاً إن الرحلات الجوية الروسية تحمل عتاداً عسكرياً إلى جانب مساعدات “إنسانية” لسورية، لكنه أكد استعداد باده لخطوات إضافية إذا دعت الحاجة، بحسب وصفه.
وأشار لافروف إلى أن خبراء عسكريين روساً يعملون في سورية، وهم يساعدون الأسد على تعلم كيفية استخدام الأسلحة، مؤكداً أن روسيا لم تتخذ أي إجراء إضافي لتعزيز وجودها في سورية.
أمّا وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، فقد أعرب في مكالمة هاتفية أجراها مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، عن قلقه من العمليات العسكرية الروسية في سورية.
كما أبدت دول غربية قلقها من التحركات الروسية، وحذّرت من أن ذلك من شأنه أن يزيد الأمر تعقيداً ويعطل المسار التفاوضي لحل الأزمة السورية.
فيما يلي بعض التحليلات للتحرك الروسي:
* المحلّل الدفاعي بافل فيلجنهاور رأى أنّ روسيا تريد من وراء هذا التحرك زيادة ضغوطها، ولعب لعبة ابتزاز، مشيراً
إلى اقتراح روسي -تضاءلت قوته الدافعة- بتشكيل تحالف مناهض لتنظيم الدولة يضم الأسد. وأضاف الخبير “هم يريدون أن يدفعوا الآخرين لبحث الأمر بجدية أكبر… وإلا تملكهم القلق من أن تستخدم موسكو قواتها هناك في مآرب أخرى”.
* إيفان كونوفالوف خبير شؤون الدفاع في موسكو قال إنّ المشاكل المتعلقة بتأمين طرق الرحلات الجوية الروسية إلى سورية ربما كانت وراء زيادة النشاط البحري، فهي خطوة يمكن أن تساعد الأسد على الحفاظ على منطقة تمثّل قاعدة سلطته وتسمح في الوقت ذاته لروسيا بتأمين مصالحها في حال الإطاحة به.
* على المستوى الداخلي الروسي، رأى دبلوماسيون أنّه في حالة تمكّن روسيا من تحسين وضعها التفاوضي فيما يتعلق بتحركاتها في سورية، فإنّها قد تحاول إبرام اتفاق سياسي مقابل تنازلات غربية على صعيد آخر، هو أوكرانيا.
* صحيفة لوس أنجلوس تايمز علّلت في تقرير لها ارتفاع وتيرة الدور الروسي في سورية بصعوبة موقف بشار الأسد بعد الانتصارات المتوالية للثوار وتنظيم الدولة، واضطراره بالتالي للاعتماد على المساعدة الخارجية.
* صحيفة كريستيان ساينس مونيتور الأميركية رأت -في تقرير لمراسلها في بيروت نيكولاس بلانفورد- أنّ غياب الدور الأميركي والغربي الجدي في سورية جعل فرصة تدخّل روسيا هناك خطوة ذات نسبة مجازفة منخفضة للغاية، واستغلتها روسيا بسرعة. إلا أنّ التقرير استبعد أن تكون طموحات روسيا في سورية مجرد الإيفاء بعقود تجهيز وتدريب عسكرية، ونقل التقرير عن الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى جيف وايت اعتقاده بأنّ روسيا تسعى لتثبيت نفوذها في سورية وبالتالي في الأزمة السورية”.
* فريد هوف الباحث في مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط، رأى أنّ روسيا تعتبر رفع مستوى تواجدها في سورية رداً مناسبا على غريمتها الولايات المتحدة، وبما أنّ إدارة الرئيس أوباما لم تفعل شيئا حتى الآن لردع مثل هذا التدخل، فمن الطبيعي أن ينتهز الروس الفرصة.
* صحيفة واشنطن بوست قالت إنّ روسيا ضاعفت دعمها للأسد وتقوم بإنشاء قاعدة عسكرية في معقل الأخير على ساحل البحر المتوسط، وتستعد لنشر ألف أو أكثر من أفراد قواتها في سورية، ولتنفيذ عمليات جوية دعماً لنظام الأسد.