نور الشام | العدد 38 | 22/11/2015
لم يتفق المؤتمرون في فيينا على ضرورة إنهاء معاناة الشعب السوري..
لم يتفقوا على أن ما ارتكبه نظام بشار الأسد في سوريا من قتل مئات الآلاف وتهجير الملايين وأسر عشرات الآلاف هو من صميم التوصيف القانوني كجرائم حرب، وأخرى ضد الإنسانية..
لم يتفقوا على ضرورة محاكمة بشار وأركان حكمه وقادته العسكريين والأمنيين..
حتى نظام الحكم بعد بشار أو أثناء فترة انتقالية يقودها هو، لم يتفقوا على أن تكون ديمقراطية بالمعنى الحقيقي الدقيق وبضمانات دولية حازمة.. كل ما اتفق عليه ممثلو 17 دولة اجتمعت في فيينا – كما يقول وزير الخارجية الأمريكي جون كيري – على “سوريا موحدة ذات نظام علماني”.
ولكي لا يذهب الظن بالبعض إلى صدق ما أردفه كيري بقوله “علماني تعددي ديمقراطي”؛ فإنه عاد مستدركاً في مقابلة تلفزيونية مع شبكة إم.إس.إن.بي.سي. “هناك اتفاق على أنه يجب أن تكون سوريا دولة موحدة وعلمانية، وأن هناك حاجة إلى التصدي لتنظيم الدولة الإسلامية وإنه يجب أن تكون هناك عملية انتقال سياسي موجهة لكن لا تزال هناك خلافات على النتيجة التي ستسفر عنها عملية الانتقال”…
إذن، الرسالة التي ينبغي أن تصل للجميع في العالم أن كل الدول التي لها تأثير في مجريات الحرب في سوريا لديها همّ واحد، ولغة واحدة، وتوجه واحد، وهو أن تحدد للسوريين هويتهم، وأن تصادر على رأيهم في اختيار النظام الذي يرتضونه لأنفسهم، وبالتحديد أكثر؛ فإن هذه الدول والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، لم ترَ ما يقلق في كل ما جرى من مجازر وكوارث وجرائم ومآسٍ، سوى ثابتاً واحداً لا يمكن السماح بتغيير أو التفاوض حوله، وهو ألا تكون سوريا دولة يحكمها نظام إسلامي.. هذا هو الأصل، وما عداه تفاصيل يمكن التحاور حولها!
والقضية الأبرز، والتي صُدِّرت لتعطي في النهاية انتصاراً بجوهر الهزيمة، هو مصير بشار الأسد، لا نظامه الطائفي المجرم، ولا مؤسساته الموغلة في الدم، والكارهة للإسلام، وهو ما سيكون محل مناقشات وصولاً إلى صيغة يكون فيها حلم تغيير هذا النظام مجرد خيال، حيث استبعد لفظ “التغيير” أو “الإطاحة” أو “إسقاط” النظام، ليحل محله “الانتقال السياسي” وهو أشبه بطريقة تسليم الحزب الجمهوري للديمقراطي في الولايات المتحدة، الحكم حال فوز الأخير. وعنده سيصبح بشار الأسد أكثر من “مانديلا”..!.
و”مانديلا الشام” هذا، لا يمكن للسوريين أن يطمحوا بمحاكمته أو إعدامه أو حتى رحيله، فهو بنظر العالم “نظاماً شرعياً” حتى اللحظة، وبنظر روسيا، والتي عبر عنها وزير خارجيتها سيرجي لافروف بالقول إنني أرى أن “الشعب السوري هو من يقرر مصير الأسد”، لكنه يرى في ذات الوقت، ومعه الـ17 المؤتمرون أنهم متفقون على “ضرورة أن تخرج سورية من الحرب كدولة علمانية موحدة.” وزاد وزير خارجية ألمانيا فرانك فالتر شتاينماير أن المشاركين في المحادثات اتفقوا على العمل من أجل سوريا موحدة بـ”قيادة علمانية”.
أي أن محور الاتفاق كان في فيينا، هو على تغييب هوية سوريا وقيادتها، الاثنين معاً، عن الصبغة الإسلامية، وهذا هو بيت القصيد في منع العالم كله للسوريين أن يتحرروا أو يحكموا أنفسهم بأنفسهم، وبالصيغة الحضارية التي يرتضون.
لقد استباح المؤتمرون لأنفسهم مصادرة الإرادة الشعبية السورية، وفكروا نيابة عنه، وارتضوا له غير دينه التي يدفع ضريبة الدم لأربع سنوات حمراء من أجله، ولقد استبان لمن غابت عنه هذه الحقيقة طول هذه السنين المؤلمة أن العقيدة هي من تحرك الغرب ضد المسلمين في سوريا، وأن عودة السوريين لهويتهم الحضارية، واستعمالهم لحقهم الطبيعي في أن يقرروا مصير من يحكمهم ونظام حكمهم وسياسة بلدهم دونه خرط القتاد من الأمم المجتمعة في العالم، وعلى هذا المنوال يُنسج كل صراع يكون المسلمون فيه طرفاً، فما انجلى كشمس الظهيرة في سوريا ينسحب على كل بقعة يقاتل فيها الشرق والغرب مجتمعين من أجل ألا يكون للمسلمين عودة حضارية.. لهذا قاتلوا، ولهذا اختاروا هذا التوقيت الدقيق لينتزعوا من بعض الدول هذا البند الخطير من الاتفاق المبدئي.. قبل يومين من الانتخابات التركية، وكأنه شرط لهدوئها، وفي توقيت تجد الدول المناوئة لهجوم محور روسيا/إيران/سوريا على مصالحها شديداً، والتواطؤ الغربي واضحاً كأن لم يكن، بهذا الوضوح في الملف السوري؛ فلأول مرة تتداعى دول الاتحاد الأوروبي للتعاطي مع فكرة ما يُسمى بالانتقال السياسي في سوريا بوجود المجرم بشار الأسد، ولأول مرة تتجاور طائرات الولايات المتحدة وروسيا (وإن بأجندة مختلفة) في سماء بلد واحد منذ تجاورهما ضد هتلر.. هكذا يخشون الفصائل السورية بل أكثر من رعب هتلر!