عنب بلدي | العدد 210 | 28 شباط 2016
أحمد الشامي
ﻷول مرة في التاريخ يتم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار بين حليفين! “بوتين” يتفق مع “أوباما” على وقف إطلاق النار في بلد ثالث لا يتحاربان فيه.
الروسي يقصف ويطلق النار وسيوقف النار في سوريا، فماذا لدى اﻷمريكي “ليوقفه”؟
اﻷمريكي لا يقدم أي دعم لمن يقعون تحت قصف العدو الروسي، وهو لا يطلق النار سوى على مواقع معزولة “لداعش” غير المشمولة بالاتفاق، فأي نار هي تلك التي سيوقفها الرئيس اﻷسمر؟
هل اﻷمريكي “يمون” على جزار “غروزني” أو يتوسل إليه أن يوقف إطلاق النار؟ بما يعني أن الاتفاق هو عبارة عن “توقف” عن إطلاق النار من قبل الروسي، وربما “توقف” اﻷمريكي عن التظاهر بالضغط عليه وذرف دموع التماسيح على الضحايا.
الحديث عن “اتفاق” يفترض وجود خلاف في الأصل يتم حله عبر الاتفاق، فهل هناك أساسًا اختلاف بين الاثنين؟
من يظن أن السياسة الأمريكية تختلف في غير الشكل عن تلك البوتينية يحتاج لمراجعة طبيب نفسي في أسرع وقت.
هي هي إذًا، ذات المسرحية السخيفة بين “الحرامي” و “المقفّل”، أو بين “البلطجي” و “الدجّال”، أو سمها ما شئت، بوتين يضرب وأوباما يتظاهر بالتهدئة ﻹلهاء الضحايا ومواساتهم وجعلهم يعتقدون أن اﻷمريكي “محايد”، وليس شريكًا كاملًا في الجريمة، بقدر لا يقل عن إجرام الجزار الروسي وربما أكثر. لا ننسى أن الخسة التي تعامل بها اﻷمريكي مع القضية السورية هي السبب اﻷول لوصول المذبحة إلى هذا المستنقع الدموي.
بالنتيجة، اثنان من أعدى أعداء السوريين يتفقان على “وقف إطلاق النار” ويستثنون “داعش” و “النصرة” و “مقربين منهما”، بما معناه أن كل من يحمل السلاح سيبقى مستهدفًا باستثناء الفصائل “الماركسية اللينينة” وهي، يا لمحاسن الصدف، الميليشيات الكردية الصديقة للروس وأمريكا.
لماذا لا يستمر كل من أوباما وبوتين بعرض ذات البضاعة البائرة مادام هناك من يظن أن بوتين قادم لإنقاذ “الأقليات”، ومنع تقسيم سوريا، وآخرون مازال لديهم أمل في صحوة ضمير لدى الرئيس الأسمر؟
حسب المثل الشامي العتيق “من يلحق البوم سوف يصل إلى الخرائب”، فمن يظن أن اتفاق اثنين من أعداء السوريين سوف يأتي بالخير هو متفائل مرضي لا أمل في شفائه.
تقاسم الأدوار بين البلطجي الروسي، والمحتال الأمريكي يحقق مصالح الاثنين على حساب منافسيهما، وخاصة أن هذا التفاهم يتم على حساب المسلمين السنة، وهؤلاء “حائطهم واطي” ودماؤهم رخيصة ولا ضرر من إيذائهم.
رغم الجرائم الأمريكية بحق العرب والمسلمين، مازال من يسمون أنفسهم زعماء العرب والعالم الإسلامي “يحجون” إلى “واشنطن” ويسبّحون بحمد العم “سام” صباح مساء.
في ذات الوقت الذي كانت فيه طائرات السفاح بوتين تبيد السوريين، كان “القادة” العرب يتمسحون بحذاء القاتل وأهداه أحدهم سيفًا دمشقيًا من الفولاذ.
إن توقف القصف الروسي من السماء فهذا لن يكون بسبب الشفقة على الضحايا الأبرياء، بل لمنح القتلة الروس “إجازات” ولإعادة تذخير الطائرات ورسم خطط الهجمات المقبلة ووضع بنوك أهداف جديدة.
وقف إطلاق النار، إن تحقق، سيكون أشبه بفاصل مسرحي بين فصلين، أو كالوقت المستقطع في كرة القدم، فرصة لاستراحة القتلة بانتظار مجازر جديدة.
السوريون يدفعون اليوم ثمن الالتزام بأوامر الجهات المانحة، ثمن عدم فتح جبهة الساحل، ثمن التعامل مع جيش الاحتلال العلوي وفق تعليمات “الموك”.
منذ عام 1982 ندفع كسوريين ثمن عدم إدراكنا للطبيعة العميقة لنظام الاحتلال الأسدي الذي لن يزول سوى بحرب تحرير شعبية شاملة لاتعرف لا الهدن ولا الاتفاقات.
متى ندرك أننا كلنا مشاريع شهداء وأن الهدن والاتفاقات هي مجرد “فواصل” في المذبحة السنية المستمرة؟