زيتون | العدد 127 | 15 آذار 2016
زيتون : أسامة عيسى
لا زالت رحى معارك سوريا في قسم كبير منها في هدوء مستمر، حيث انطفأت نار الجبهات الساخنة، وبقيت أخرى مشتعلة بنسبة قليلة، بالتزامن مع دخول الهدنة السورية الأسبوع الثالث منها منذ بدء سريانها في تمام الساعة 12:00 من ليل الجمعة 26 شباط/فبراير 2016م، الأمر الذي انعكس على الداخل السوري وصولاً إلى دول اللجوء في الجوار.
المصادر الميدانية لزيتون أفادت بأن اتفاق الهدنة استمر في السريان في نسبة غالبة من الأراضي السورية، في جانبيها الخاضع لسيطرة النظام وميليشياته والأخرى الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة، مع تسجيل نسبة من الخروقات التي عطلت تطبيقه في مناطق عدة شمالية وجنوبية ووسطى وغربية، لكنها لم تخلع عن “الهدنة” سمة الهدوء الميداني، الأمر الذي تبدى من خلال ارتفاع حركة التجارة والزراعة ومعدلات العرض والطلب في الأسواق بنسبة جيدة عن سابقتها.
أبو سامح حريري، ويقيم بمخيم للنازحين غرب درعا، يقول لـ”زيتون”: “إن استمر الهدوء على هذه الحالة فإن الأمور ستحل إن شاء الله، الهدنة الآن بارقة أمل. نحنا يهمنا أن نلتقط أنفاسنا كمدنيين، ولا يهمنا أي شيء آخر بعد الآن ولن نقبل أية حسابات أخرى.. أخي نريد أن نعيش! أليس من حقنا ذلك؟؟ ومع هذا فنحن لا نقبل المساومة على الثورة، لكن الهدنة ضرورية لكي تهدأ النفوس، ومع ذلك فهي ليست خسارة لنا، الثورة خط أحمر عندنا، لكن نحن لا يهمنا أي شيء أخر سواها، لأننا لم نخرج من أجل أشياء أخرى غيرها”، على حد تعبيره.
ويضيف “أنا أعمل في التجارة الحرة، منذ اليوم الأول لاتفاق الهدنة ارتفع في درعا والقنيطرة وريفهما مستوى العرض والطلب على البضاعة وبدت الأسواق في حركة أنشط في مناطق النظام والمحررة أيضاً، كذلك خرج الناس إلى مزارعهم لأنه لم يبق لديهم قوت يومهم. أنا أختلط بالناس كل يوم وأنا كشخص أقول لك مع أنني أب لشهيدين نريد وقف هذا الصراع، نريد حل يرغم الأسد على الرحيل، لا نريد مشاريع أخرى تمر على حساب ثورتنا”.
وتقول ميادة م. وهي لاجئة مقيمة في مدينة كيليس التركية إنها كانت ستعود مع أطفالها إلى ريف إدلب إذا شملها اتفاق الهدنة، لكنها علمت أنها غير مشمولة بسبب وجود جبهة النصرة فيها، وتضيف: “أنا لا أعرف لماذا لا توافق الجبهة على الهدنة، لماذا لا تكون مثلها مثل باقي الجيش الحر، أليست أتت لمناصرة السوريين أم لخربان بيوتهم. لماذا الحال هادئ في كل المحافظات وليس في إدلب؟ كنت أنوي العودة مع أطفالي، هناك يقيم قسم من أهلي، لكن الآن لا يمكنني المجازفة بهم..”.
من جانبه، يشدد عبد الرزاق خوالدة، وهو مقاتل في الجيش الحر شمال حمص على أنهم قبلوا بالهدنة ووقعوا عليها لـ”حماية المدنيين وحقن الدماء السورية أكثر”، ويضيف: “نحن الآن نرابط على الجبهات فقط، لا نقاتل ولا نقوم بعمليات هجوم، الوضع جيد في الاجمال وهناك خروقات من النظام لكنها قليلة هنا. نحن لسنا ضد الهدنة أو تمديدها لأننا في النهاية سوريين وأبناء البلد ونريد ما يريده السوريون جميعاً..”.
ومع دخول الهدنة الميدان السوري، لا يبدو الارتياح في الرقة ودير الزور على مدنييها، الذين دقّ فيها رقابهم لسنوات الثورة الماضية نظام الأسد وتنظيم داعش معاً، فيما “رعبٌ حقيقي هوليودي في المدن والأرياف وما بعدها وصولاً إلى أرياف الحسكة” كما تقول سماهر من الرقة.
وتضيف “هنا الناس كمن يبلع الموس على الحدين، لا هي قد نجت من بطش النظام ولا من جرائم داعش ولا من قصف التحالف ولا روسيا ولا النظام، الكل يقصف الكل يضرب بشدة، المدنيين ضحايا الجميع. لا ذنب لنا أننا كنا حيث كانت هذه الخفافيش، الآن نحن نحسد السوريين على ما هم فيه، صرنا نحلم بيوم نفيق فيه من دون صوت طيران.. كله مجهول في الجو لا نعلم لمن يعود، لكن نعلم أنه سيقصف ويقتل منا أناس أبرياء وليس من داعش في غالب الحالات..!!”.
ومن دمشق، تعتبر لورين مرعي وهي سورية مقيمة في جرمانا بريفها القريب أن “الهدنة حق خاص للسوريين، بغض النظر عن النظام والمعارضة، هذا الحق لازم ومقتضى لهم كي يحقنوا دماء بعض”، وتضيف “إذا أتيت ونظرت في الشوارع تعرف ما معنى السلام الذي طالما حلم السوريون به، لكن الحرب قتلت لديهم كل الأحلام”.
وفي النهاية، يرى سعيد وهو مقاتل في جبهة ثوار سوريا الجنوبية، أن “الجيش الحر لن يخذل السوريين، سواء رغبوا في استمرار الهدنة أو انتهائها”، ويؤكد “جبهات القتال ليست باردة كما يقال حالياً بل تم تبريدها بمفعول الاتفاق الذي وقعت عليه عشرات الفصائل التابعة للجيش الحر ونحن منهم، لذا نحن ملتزمون وليس من عادتنا الإخلال بالاتفاقات التي نعقدها، لا سيما ما يتعلق منها بسلامة الأهالي ومصلحة السوريين جميعاً وفي إيجاد حل سريع يحقن الدماء”.
وبين تأكيدات المصادر العسكرية في الجيش الحر، التي أبلغت “زيتون” أن الهدنة في طريقها للسريان لوقت أطول، وارتياح الأهالي في الداخل للهدنة كفكرة تحقن الدماء من جهة، وبين أمل طالت حدوده لدى اللاجئين المهجرين من بيوتهم في العودة إليها، يبقى الوقت القادم السيد الفصل بين وهج الآمال وبين إفرازات الواقع مع ما ستحمله تلك الأيام من قادم للسوريين عله يكون الخير المنتظر والنصر العاجل.