أوكسجين – العدد 151 – 01/10/2015
روبرت فيسك – صحيفة “إندبندنت” بتصرف
لم يرسل فلاديمير بوتين جنوده إلى سوريا لمجرد إظهار تضامنه مع بشار الأسد، ولم ينقلهم جوا إلى قواعد حول طرطوس لإبقاء الأسد في الحكم، فهذا مفروغ منه، وبوتين ليس قلقا بأنه سيخسر الميناء الوحيد الذي تسيطر عليه روسيا على المياه الدافئة للبحر الأبيض. بوتين يسعى إلى تحقيق انتصار؛ فالجيش السوري، الذي هو المؤسسة الوحيدة التي يعتمد عليها النظام، بل وأجهزة الدولة كلها، تتم إعادة تسليحه وتدريبه لهجوم عسكري خطير على تنظيم الدولة، هجوم يكون له صدى رمزي لا على مستوى الشرق الأوسط فقط، بل على مستوى العالم. ودائما ما يتم تأخير الخطط، وعند إطلاق أول قذيفة مدفعية تتعثر تلك الخطط. ففي سوريا تتغير تفاصيل العمليات كل يوم وكل ليلة. ولكني أميل للرهان على تخمين مستنير بأنه يتم إعداد الجيش السوري لاستعادة مدينة تدمر الرومانية القديمة من الإسلاميين ويتم إعداد الطائرات الروسية المقاتلة والصواريخ المضادة للدروع، وربما دبابات (تي-90) الروسية للتضاريس الصحراوية.
وتقع إحدى أحدث قواعد الطيران السورية على بعد أقل من 50 ميلاً من تدمر على الشارع الرئيسي شرق حمص، وكان الجيش السوري يخطط لأشهر طويلة لهجوم حول المدينة. وقبل أسابيع قليلة أجل هجوما؛ خوفا من قيام تنظيم الدولة بتدمير بقية المدينة الرومانية. ولكن هذه المخاوف تضاءلت قيمتها الآن؛ لأن تنظيم الدولة أظهر بأنه لا مانع لديه من تدمير المعابد الرومانية ودون وجود أي هجوم عسكري على قواته. على النظام الحفاظ على حلب حتى لا تقع في يد تنظيم الدولة، وتعلن مباشرة عاصمة للخلافة في سوريا. كما أن على الجيش السوري الإبقاء على الطريق إلى لبنان وجبال القلمون على الحدود اللبنانية مفتوحا. وألا يسمح لتنظيم الدولة باحتلال أي بلدات، ولكن تدمر على رأس القائمة لنيل شرف (التحرير) من تنظيم الدولة.
هجوما مثل هذا سيشكل رمزاً مهماً للنفوذ الروسي الجديد في الشرق الأوسط. أما بالنسبة لأوباما وكاميرون وبقية الزعماء الغربيين، الذين تخبطوا في سوريا لأربع سنوات دون خلع الأسد أو هزيمة تنظيم الدولة، فستكون استعادة تدمر بمساعدة روسية درساً مهيناً لهم.
ويرى فيسك أنه من ناحية سياسية فإن “انتصاراً في تدمر سيشعر الأسد بأمن في نصفه من سوريا، وقد بدأ الأمريكيون والبريطانيون بالمراوغة حول دور انتقالي للحكومة السورية، والمرحلة الانتقالية كما نعرف كلنا قد تستمر سنوات. ولا يمكن لبوتين أن يلقي بالمساعدات الروسية في خندق الموت السوري، ليسمح بخلع حليفه في دمشق. حليفه في أوكرانيا هرب، ولكن الأسد لم يهرب إلى روسيا خلال أربع سنوات، ولم يبق في دمشق حتى يحال على التقاعد، ويؤدي دورا انتقاليا فقط”.
ويتساءل الكاتب: “ماذا بعد تدمر؟ استعادة معظم مدينة حلب، وهو مشروع أكثر خطورة، أو العودة إلى مدينة إدلب، أو حتى محاولة أخذ الرقة، (عاصمة) تنظيم الدولة. وبالتأكيد مساعدة الحامية المحاصرة في مدينة دير الزور الصحراوية. ولكن هناك جنيا أسود يتحرك في صحراء سوريا ولا يعطي الميداليات للشجعان ولا للمتهورين. فإن كانت روسيا وسوريا قد جهزتا خططاً، فلابد أن تنظيم الدولة لديه عمليات أخرى في باله، مثل هجمة في وسط دمشق، كما حاول الثوار قبل ثلاث سنوات”.
السؤال الآن هل بإمكان روسيا أن تنسى أشباح أفغانستان في سوريا. فلا يمكن السيطرة على صحراء، ولا يستطيع أسطول الطيران الروسي هزيمة تنظيم الدولة وحده. وعلى الأقل يجب ألا يتشابك مع جيران سوريا، وهو السبب في الغالب للقاء نتنياهو مع بوتين؛ وذلك لضمان عدم إساءة فهم إسرائيل لمعنى طيران روسي مرتفع إلى الشمال الشرقي من الجولان. إن بوتين والأسد لا يخططان لأي ديمقراطية برلمانية في الطريق إلى دمشق.
ويخلص الكاتب إلى أنه “إذا تم تقليم أظافر تنظيم الدولة، ومعه مقاتلو الشيشان الذين يكرهون بوتين، سيصبح لزاماً على أمريكا والناتو أن يتفاوضا من موسكو على مستقبل سوريا. وذلك كله سيكون وكأنه لعنة بالنسبة لمئات آلاف اللاجئين السوريين، الذين ينزفون من بلدهم في رحلة طويلة إلى الشمال عبر البلقان”.