الإعلام الثوري مع بداية التسلح: إنكار وتفريط بالمصداقية
امتدت الثورة السورية في شقها السلمي لمدة ستة أشهر تقريبًا، لم يكن حينها يخطر في بال أحد حين يأتي الحديث عن الانتهاكات إلا النظام السوري، باعتباره مرتكب الانتهاكات الوحيد في سوريا، وقد وثقت بمئات الفيديوهات من قبل ناشطي الثورة السورية وإعلامييها الناشئين، والذين اعتُبروا على نطاق واسع داخل وخارج سوريا أنهم موضع ثقة،واعتُمدوا مصدرًا موثوقًا للأخبار من داخل سوريا، في ظل منع النظام السوري لدخول وسائل الإعلام والكذب“الفضائحي” المكشوف الذي ميز أداء الإعلام الرسمي.
لم تتخذ الثورة قرارًا مركزيًا واعيًا بالتوجه نحو التسلح، فلم يكن للثورة، وهي كذلك حتى اليوم، قيادة مركزية قادرة على اتخاذ هكذا قرارات، ولذلك فإن التسلح والعسكرة لم تكن شاملة على كامل التراب السوري، وحكمت هذا التوجه الخصوصيات المحلية والمناطقية وردود فعل النظام ومدى ارتكابه للجرائم والانتهاكات بحق سكان المناطق المختلفة ومدى تسلحها واقتنائها للسلاح قبل الثورة.
سعى النظام السوري بأدائه الإعلامي إلى ضرب مصداقية الإعلام الثوري والإعلام العربي المؤيد للثورة، فقام بافتعال بعض الجرائم الوهمية ثم قدم الرواية الصحيحة ليظهر الإعلام الثوري بمظهر الكاذب، ولعل قصة زينب الحصني، والتي نشرتها صحيفة سوريتنا في عددها الأول، من أبرز الأمثلة على ذلك.
بداية الانتهاكات كانت مع بداية التسلح في الثورة عمليًا، وبشكل عام فقد استغل الإعلام الثوري الثقة الممنوحة له في التغطية على أخطاء الثوار وانتهاكاتهم، لقناعته ربما أن هذه الثقة ستبقى للأبد، وكثيرًا ما قال الإعلام الثوري أن الاشتباكات التي يشنها الجيش السوري الحر على حواجز الجيش المنتشرة في هذه المنطقة أو تلك هي اشتباك داخل الجيش نفسه نتيجة انشقاق مجموعة من العناصر وإطلاقها النار على الجيش، ولا يعني هذا طبعًا أن هذه الانشقاقات لم تكن تحدث، ولكنها بالتأكيد لم تكن بالكثرة التي صورها الإعلام الثوري في تلك الفترة للتغطية على بدء انتشار ظاهرة التسلح داخل الثورة، نجد على سبيل المثال بيانين أعادت نشرهما “سوريتنا”، وهي الوحيدة المنتظمة المستمرة بالصدور منذ تلك اللحظة، في عددها الثاني باسم تحالف “غد” الديمقراطي، وتجمع “ثوار محافظة حمص” على التوالي بخصوص اغتيال بعض أساتذة الجامعات في حمص، إذ اعتبر البيانان بصيغ مختلفة أن هذه الجريمة هي من فعل النظام لإيقاف الفتنة في سوريا.
ويضاف إلى ما سبق الضغط الشعبي الثوري على كل من يوجه انتقاد لممارسات الثوار خاصة إذا ما كانوا من الجيش الحر، وتذكرنا النقمة الشعبية العارمة بعد بيان برهان غليون رئيس المجلس الوطني السوري حينها “نحن على مفترق طرق: إلى الحرية أو الهاوية” بتاريخ 17 تشرين الثاني 2011، والذي نبه إلى أننا نشهد “منذ أسابيع عمليات خطف واغتيال وتصفية حسابات بين أبناء الشعب الواحد، بل بين أبناء الثورة أنفسهم، وهو ما يشكل تهديدًا خطيرًا لمكاسب الثورة”. مع تفهم مدى صعوبة الاقتراب من هذه النقطة، خاصة مع استغلال المعارضين لتصرفات بعضهم في إطار الابتزاز السياسي الذي ميز سلوك المعارضة للأسف، ولكن بيان غليون يشير إلى بدء إدراك الثورة وإعلامها أن السكوت عن الأخطاء يؤدي إلى تفشيها وتضخمها في نهاية المطاف.
صحف الإعلام البديل: تنبيه مبكر لأخطاء الثورة
“إن تسليط الضوء على الحالة الطائفية، ليس هدفه تشويه سمعة الانتفاضة أو إعطاء النظام مبررًا كيف يستخدمه ضدها، على العكس، يأتي الامر كي نفهم واقعنا بشكل جيد من أجل تسخيره في خدمة الانتفاضة وتفادي الوقوع فيما تريده السلطة المستبدة لنا أن نقع فيه”، يقول الكاتب محمد ديبو في مقال رأي نشرته “سوريتنا” في عددها الرابع، ما يشير إلى إدراك الجريدة المبكر إلى ضرورة تسليط الضوء على أخطاء الثورة، كما نجد في العدد التاسع، وبعد بيان غليون سابق الذكر بثلاثة أيام، بيانًا تنشره الجريدة في صفحتها لإدانة حوداث اختطاف المدنيين السنة والعلويين في داخل حمص.
لم يساعد الإعلام العربي الداعم للثورة (بشكل خاص الجزيرة والعربية) في هذا التوجه، وغالبًا ما كان النقد للثورة المسموح على هذه القنوات يأتي عن طريق أنصار النظام، وهو ما لا يجد أذنًا صاغية لدى الثوار ولا ينال ثقتهم، وبالنتيجة تفاقمت أخطاء الثورة مع مرور الوقت ولم يعد بالإمكان إخفاؤها، وباتت موثوقية الإعلام الثوري في مهب الريح، لتطور القنوات العالمية قنواتها الخاصة داخل سوريا بعيدًا عن تنسيقيات الثورة وتشكيلاتها الإعلامية.
التعامل نفسه حكم الإعلام الثوري تجاه الظواهر الغريبة التي بدأت تظهر في الثورة منذ بداية 2012، وخصوصًا جبهة النصرة التي تبنت تفجير الميدان في 6 كانون الثاني 2011، إذ اعتبرتها “سوريتنا” من صنيعة النظام في مقال “لماذا؟ عن تفجيرات الميدان”، كما اعتبرت “عنب بلدي” في عددها الثاني الصادر في شباط 2012، أن تفجيرات حلب، التي تبنتها النصرة أيضًا، هي من فبركة النظام “الذي افتعل تفجيرات الميدان”، وقد أشرنا في بحث سابق عن تغطية الإعلام البديل للتنظيمات الجهادية لهذا الموضوع بشكل مفصل.
لا نريد هنا تتبع مسار الإعلام البديل خطوة بخطوة منذ البداية، فهذا متعذر، عدا عن كونه خارج موضوعنا، ولكن من المهم تسليط الضوء على الميكانيكية التي حكمت الإعلام الثوري، فالإعلام المطبوع جاء في مرحلة متأخرة نسبيًا، فـ ”سوريتنا” صدرت بعد ستة أشهر من انطلاق الثورة وعنب بلدي بعد عشرة أشهر تقريبًا، ولذلك فإن هذه الصحف تنبهت منذ أعدادها الأولى لضرورة مناقشة أخطاء الثورة مناقشة عقلانية، بالرغم من أن ميكانيكية الإعلام الثوري الموصوفة أعلاه حكمتها في بعض الأحيان.
لا يعني هذا طبعًا أن “سوريتنا” أو “عنب بلدي” اتهمتا النظام بتفجيرات الميدان وحلب وهما تعلمان الحقيقة، فهذا الرأي (فبركة النظام للقاعدة) كان شائعًا جدًا في أوساط الثورة حينها، ولكن هذا يعطينا إشارة على الارتباك الحاصل لدى الإعلام البديل في بدايته مع بعض الظواهر غير المفهومة في بدايتها مثل “النصرة”، وبعدها “داعش”، واتهامهما فورًا ودون تمحيص أحيانًا باعتبارها مكائد للنظام ليتضح لاحقًا أنها ليست كذلك.
مع مرور الوقت، أصبح ما كان هامشيًا فيما مضى يقع في صلب الثورة السورية، وغدا التسلح هو عنوان الثورة السورية وحاملها الوحيد، وعليه زادت الانتهاكات المرتكبة من قبل الثورة، ومع فشل الجيش السوري الحر في تحوله من مظلة فضفاضة إلى مؤسسة عسكرية تتبع نظامًا عسكريًا صارمًا، ودفن روسيا للمسار السياسي من خلال الفيتو في مجلس الأمن، والهجمة الطائفية الشرسة التي شنتها إيران بالتعاون مع حزب الله في لبنان، باتت لدى داعمي الثورة السورية الإقليميين قناعة بأن الرد على هذه الهجمة يكون بدعم خطاب مشابه له في القوة ومعاكس له في الاتجاه وهو في هذه الحالة السلفية الجهادية.
استهداف من جميع الأطراف
زادت الأخطاء الثورية مع انتشار التسلح كما ذكرنا، ثم تضاعفت أكثر حتى حرفت الثورة عن مسارها مع تحول المناخ العام لصالح السلفية الجهادية، وخلال تتبعنا لتغطية صحف الإعلام البديل (تتبعنا في هذه المادة ست صحف تشكل عماد الشبكة السورية للإعلام المطبوع) وجدنا أن هذه الصحف اتخذت موقفا نقديًا واضحًا من الانتهاكات أيًا كان من اقترفها، ولم تتورط، في حدود متابعتنا، بتأييد انتهاك أو تبريره تحت أي مسمى، وهو ما جعلها هدفًا وعرضة لانتهاكات كثيرة.
فقد نشرت جريدة كلنا سوريون في العدد 44 ملخصًا عن تقرير أعده المركز السوري للحريات الصحفية في رابطة الصحفيين السوريين، يتناول بالتحليل الانتهاكات التي حصلت بحق الإعلاميين والمراكز الإعلامية في سوريا خلال الربع الرابع من عام 2015، وقد احتل النظام السوري الصدارة في قائمة المسؤولين عن الانتهاكات من خلال ارتكابه 31%، في حين حل حزب الاتحاد الديمقراطي ثانيًا بمساهمته بنسبة 19%، وفي المركز الثالث جاء تنظيم الدولة بـ 17%، في حين سجل الباقي ضد مجهول، كما قتلت روسيا ثلاثة إعلاميين أيضًا.
وفي تتبعنا للصحف من خلال متابعة تغطيتها لاختطاف ناشطي دوما الأربعة (رزان زيتونة، ناظم حمادي، وائل حمادة، سميرة خليل) منذ 9 كانون الأول 2013 حتى اليوم، نعيد “تركيب” قصة رزان ورفاقها كما سردها الإعلام البديل، لكي نسلط الضوءعلى فائدة هذا الإعلام في تخليد الذاكرة، وإبقاء القضية حية في التداول العام.
ما قصة رزان زيتونة؟
في ملف نشرته جريدة عنب بلدي في العدد 203 عن تغطية الإعلام البديل لقضية المرأة في سوريا، نشرت تعريفًا برزان زيتونة نورد منه بعض الأجزاء.
رزان زيتونة من مواليد دمشق 1977، تخرجت في كلية الحقوق في العام 1999، وبدأت محامية تحت التدريب في مكتب المحامي والمعارض السوري هيثم المالح، وعضوًا في فريق الدفاع عن المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي منذ ذلك الوقت، كما كانت عضوًا مؤسسًا في جمعية حقوق الإنسان في سوريا، واستمرت في عملها مع الجمعية حتى عام 2004، وأسست رابط معلومات حقوق الانسان في سوريا ليكون بمثابة قاعدة بيانات لانتهاكات عام 2005، بالإضافة إلى نشاطها في لجنة دعم عائلات المعتقلين السياسيين في سوريا، ومع مطلع الثورة عام 2011 شاركت بتأسيس لجان التنسيق المحلية ومركز توثيق الانتهاكات الذي انتقل إلى مدينة دوما بعد الضغوط الأمنية التي مارسها نظام الأسد على عائلتها.
تعدد نور عبد الله في العدد 4 من جريدة كلنا سوريون في منتصف 2014 الجوائز التي نالتها بعد الثورة لنشاطها في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا، فقد حصلت في 2011 على جائزة آنابوليتكوفساكيا للمدافعات عن حقوق الإنسان، وفي نفس العام مُنحت جائزة ساخاروف من البرلمان الأوروبي، وفي 2012 منحت جائزة ابن رشد للفكر الحر، وفي 2013 نالت جائزة المرأة الشجاعة التي تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية.
كانت لجان التنسيق المحلية من أولى المجموعات الثورية الناشئة بعد الثورة، وقد استطاعت أن تنال مصداقية كبيرة في مجال الأخبار داخل وخارج سوريا، كما شاركت اللجان في تشكيل المجلس الوطني السوري في تشرين الأول 2011، والائتلاف الوطني السوري في تشرين الثاني 2012.
كتبت رزان في عدد من صحف الإعلام البديل، ويتضح من كتاباتها حرصها على معالجة أخطاء الثورة وانحرافاتها، فنجد في افتتاحية العدد الرابع من عنب بلدي تمنيها انتصار الثورة “انتصارًا كاملًا، “حريتنا على قيودهم، محبتنا على كراهيتهم، عدالتنا على ظلمهم، إنسانيتنا على وحشيتهم، انتصارًا كاملًا نتجنب فيه التشبه بجلادنا، سواء تجاه بعضنا أو بين بعضنا البعض”.
تتساءل رزان زيتونة في العدد 56 من “سوريتنا” عن عدم سماع الجيش الحر لنداءات المدنيين، “فلم يعد مفيدًا القول بأن هذه الكتيبة أو تلك تتسلق على الثورة وتنتحل اسم الجيش الحر، الانتهاكات والممارسات الخاطئة موجودة بشكل واضح ضمن الكتائب والألوية المعروفة وبالاسم”، لتنهي مقالها بكلام وجهته إلى الجيش الحر “أنتم حماة الديار فأعيدوا لهذه العبارة معناها”.
تستنكر رزان في العدد 75 من “سوريتنا”، الصادر في 24 شباط 2012، الهجوم الذي يتعرض له من يسلطون الضوء على انتهاكات الكتائب ضد الناشطين المدنيين، “الثورة محكومة بالفشل إذا استكنا للمستبدين الجدد”، كما تنتقد في العدد 28 من جريدة طلعنا عالحرية، التي كانت تصدرها حينها لجان التنسيق المحلية، كتائب الجيش الحر، “إذ تتفرغ للإغاثة” وتدخّلها في شؤون الناس والأعمال المدنية وإنفاقها الأموال في غير مكانها على الجبهات، معتبرة أن السلوك نتيجة توجه الممول الذي يريد فرض أيديولوجيته.
تزامن الضغط والملاحقة الأمنية، مع تحرير الغوطة الشرقية من قوات النظام، دفع رزان زيتونة للانتقال إلى دوما في نيسان 2013، بحسب الكاتب ياسين حاج الصالح (سميرة خليل إحدى المختطفات هي زوجته التي ذهبت إلى دوما بعدهم بشهر وهي مناضلة ومعتقلة لسنوات في سجون النظام) بمقال في العدد 58 من جريدة طلعنا عالحرية، وهناك تابع فريق مركز توثيق الانتهاكات عمله.
تعرضت رزان زيتونة والكاتب ياسين حاج صالح لمضايقات في دوما، كما تلقت رزان زيتونة قبل شهرين من اختطافها تهديدات جدية بالقتل من قبل إحدى الكتائب المقاتلة المعروفة في الغوطة، إن لم تغادر مدينة دوما خلال فترة لا تزيد عن ثلاثة أيام. رفضت رزان زيتونة التهديد “لست في مهمة هنا، جئت لأعيش”، مفضلة مشاركة أهل الغوطة بحصارهم وحرمانهم، كما نرى في العدد 95 من “عنب بلدي”، ويدق لذلك إسماعيل حيدر في العدد 86 ناقوس الخطر، إذ يرى أن “توحد قوى الثورة بات ضروريًا، ومن دون ذلك فإن النظام متجه نحو السيطرة والانتصار”، منتقدًا بعدها سعي قوى الثورة في الغوطة لمحاسبة رزان وياسين الحاج صالح، في حين نرى على الجانب المقابل قوى من مشارب مختلفة متحدة على هدف واحد هو دعم النظام.
كانت هذه المرحلة من الثورة من أكثرها حساسية، إذ سقطت مدينة الرقة في الفوضى الفصائلية بعد أن اعتقد الكثيرون خلاف ذلك، وبدأ يظهر اسم تنظيم الدولة على الساحة السورية كفاعل أساسي، لاسيما في الشمال السوري، حيث بدأ حملة شاملة استهدفت أبرز الناشطين، وانتشرت الاغتيالات المتبادلة بين فصائل السلفية الجهادية، وساد خطاب المزاودة الدينية بين هذه الفصائل التي وجدت نفسها مضطرة للمضي بالخطاب السلفي إلى أقصاه خوفًا من نزيف العناصر لصالح تنظيم الدولة، كان الناشطون المدنيون والنشاط المدني أولى ضحايا هذه الحرب الأهلية بين أخوة المنهج.
في التاسع من كانون الأول 2013 اقتحم ملثمون مكان إقامة رزان زيتونة في دوما واقتادوها مع الناشطة والمعتقلة سميرة خليل والناشط وائل حماة، والناشط والشاعر ناظم حمادي إلى مكان مجهول حتى هذه اللحظة، كما قاموا بسرقة أدواتهم الشخصية وكل الأجهزة الإلكترونية.
ماذا قال الإعلام البديل عن حادثة الاختطاف؟
غطت كل صحف الإعلام البديل التي تابعناها خبر اختطاف الناشطين الأربعة، وأشارت “عنب بلدي” إلى مسؤولية جيش الإسلام عن الاختطاف نقلًا عن ناشطين في العدد 95، كما نشرت “سوريتنا” بيانًا في العدد 117 بعنوان “المدافعون عن حقوق الإنسان تعتقلهم قوى الظلام في اليوم العالمي لحقوق الإنسان”، أدانت فيه هذا الفعل ودعت للإفراج عنهم فورًا، معتبرة أن هذه الخطوة تصب في مصلحة النظام، كما دعا المعارض البارز نجاتي طيارة في العدد 119 قادة الكتائب الثائرة في الغوطة، وجيش الإسلام والجبهة الإسلامية لتصويب الخطأ والتراجع عنه، “لعلهم في ذلك يتركون لنا أملًا في هذه الثورة، التي يراد لنا أن نفقد كل أمل منها”، أما دياب سرية فيكتب في افتتاحية “تمدن” في العدد 13 عن “اختطاف ثورة” محملًا زهران علوش المسؤولية كونه الفصيل الأبرز في المنطقة ومذكرًا إياه أن رزان كانت من المدافعين عنه عندما كان في السجن.
نجد في مقالات الرأي في العدد 95 من عنب بلدي مقالًا لمعتز مراد اعتبر فيه اختطاف رزان يضرب مقولة أن الجيش الحر يشكل بديلًا لجيش النظام، كما أنه يقدم هدية مجانية للنظام السوري، أكثر المسرورين باختفاء رزان، كما نجد مقال رأي لأحمد الشامي يشبه فيه رزان زيتونة ويحيى شربجي وغياث مطر بمانديلا في مقال “مانديلا العرب”.
توقفت جريدة طلعنا عالحرية عن الصدور بعد اختطاف رزان، ثم عادت للصدور بعد خمسة أشهر وكتبت رئيسة التحرير ليلى الصفدي في افتتاحية العدد 38 مؤكدة “مهما يكن…. فلا خيار أمام السوريين إلا الاستمرار بالحياة والمحاولة، ووسط كل هذه المآسي والمستقبل الحالك لا نملك رفاهية التنازل عن أي بصيص من نور”، كما غطت عودة طلعنا عالحرية، عنب بلدي في العدد 125.
بعد الاختطاف بشهر نشر مركز توثيق الانتهاكات بيانًا يوضح فيه بعض الحقائق، وأعادت جريدة سوريتنا نشره في العدد 124، “خلال الأشهر التي أعقبت حادثة الاختطاف، حاولت بعض الكتائب التهرب من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية في البحث عن الجناة وتقديمهم للعدالة وإعادة المخطوفين إلى منزلهم حتى إن بعض الكتائب لم تحرك ساكنًا في هذا الخصوص”، مؤكدة أنها ستتابع القضية عند المحاكم السورية المؤقتة في الداخل السوري حتى إحقاق العدالة.
نفى جيش الإسلام علاقته بالأمر، وأعلن أن وحداته مستنفرة لمتابعة القضية، وهو ما لم يحصل بحسب البيان الذي أشرنا له آنفًا، وهو ما دفع الكاتب في العدد 3 من جريدة كلنا سوريون، لتشبيه علوش ببشار الأسد من ناحية الديكتاتورية، كما أثار علوش الغضب حين استنكر في مؤتمر صحفي عقده في الغوطة في آب 2014 التركيز على رزان زيتونة في حين يتم إهمال “نساء المسلمين”، داعيًا الناشطين إلى وضع قوائم بالنساء المختطفات، الأمر الذي كانت تفعله رزان نفسها.
ونشرت “كلنا سوريون” في عددها التاسع خبر حصول رزان زيتونة أثناء اختطافها على جائزة الريادة التي تقدمها منظمة أصوات حيوية في حزيران 2014.
قصة المتهم الذي هرب
تابعت صحف الإعلام البديل القضية أولًا بأول، وحرصت دائمًا على أن تبقى القضية في مجال التداول، فركزت عنب بلدي في العدد 117 أثناء تغطيتها لافتتاح مركز “النساء الآن” في دوما على دور رزان زيتونة في افتتاحه، وأثارت السؤال في العدد 171 عن مصير رزان زيتونة عند اللقاء مع المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام، الذي أكد أن “المتهم بقضية رزان زيتونة هرب، فخاطفها ليس من المدنيين وإنما هو تشكيل عسكري، وفي تلك الفترة كانت التشكيلات العسكرية كثيرة فلا يمكن اتهام أحد بعينه“.
قصة المتهم الهارب هذه نشرها موقع الجمهورية، الذي يديره ياسين الحاج صالح زوج سميرة خليل إحدى المختطفات، وأعادت نشره جريدة كلنا سوريون في العدد 31، “فقد قامت محكمة محلية في دوما باستجواب المتهم حسين الشاذلي، الذي اعترف بالمسؤولية عن كتابة التهديد أمام جهاز قضائي محلي في دوما، ومن المعروف أن زهران علوش زار حسين الشاذلي في سجنه وطلب أن يكون اللقاء على انفراد، وحين رفض طلبه أرغى وأزبد وهدد بأنه سيحرر رجله، وهو ما جرى فعلا بعد حين، حيث تدبر زهران أمر تهريب المتهم، والرجل الثاني في جيش الإسلام بعد زهران، هو من كلفه بكتابة التهديد”.
استمرت المقالات والحملات المطالبة بالإفراج عن الناشطين الأربعة طوال الوقت، وغطت معظم الصحف التي تابعناها الحملة التي أطلقها ناشطون في الذكرى السنوية الأولى لحادثة الاختطاف، كما في 168 لـ”سوريتنا”، وخرجت مظاهرة نظمها ناشطون عند زيارة زهران علوش لتركيا في أبريل 2015، وغطت “سوريتنا” هذه المظاهرة في العدد 188، كما غطتها “كلنا سوريون” في العدد 31، ونشرت ميساء حمادي عن أخيها الناشط المختطف ناظم حمادي في العدد 54 من “طلعنا عالحرية”، وعن وفاة والد ناظم في العدد 56. وحتى اليوم تتابع صحف الإعلام البديل في تسليط الضوء على القضية وتنشر جريدة تمدن “كل عدد” صورة للمخطوفين للأربعة مذيلة بعبارة “خاين اللي بيخطف ثائر”.
هل من الممكن أن يكون النظام هو من اختطف رزان زيتونة؟
يناقش زياد إبراهيم في الذكرى السنوية الثانية فرضية أن يكون النظام هو من اختطف رزان زيتونة في العدد 61 من طلعنا عالحرية، إذ إن النظام بحسب إبراهيم اعتقل أحد مؤسسي لجان التنسيق المحلية في شهر أيلول 2013، وأمضى في السجن سنة وبضعة أشهر ثم أمضى في دمشق بضعة أشهر أخرى قبل أن يتمكن من الخروج من دمشق إلى أحد دول الجوار بعد تحسن حالته الصحية.
ينقل إبراهيم أن محققي الأمن أثناء التحقيق مع الناشط المذكور أخذوا كل المعلومات، تحت التعذيب، عن رزان زيتونة ومكان إقامتها في دوما، ونظامها اليومي وحياتها وكل شيء يتعلق بها، ثم أخبروه “لدينا الكثير من أصحاب اللحى في الغوطة الشرقية قادرين على إحضارها إلى هنا”، ما يجعل فرضية أن يكون النظام هو من فعل ذلك أمرًا واردًا.
موقف حازم ضد الانتهاكات
بعيدًا عن قضية المخطوفين الأربعة، تتخذ اليوم صحف الإعلام البديل (التي تابعناها) موقفًا صارمًا ضد الانتهاكات أيًا كانت، ويظهر تتبع جميع الأعداد لهذه الصحف في الاشهر الماضية هذه النتيجة، ومن الصعب بمكان حصر كل ما كتبته هذه الصحف في هذا الموضوع لذلك سنشير سريعًا لبعض هذه المواد.
نشرت عنب بلدي في العدد 171 مادة بعنوان ” انتهاكات ضد عرب الحسكة” وهو ما تسبب بإصدار الإدارة الذاتية في عفرين بيانًا منعت بموجبه دخول هذا العدد إلى المدينة، وفي العدد 54 نجد في جريدة طلعنا عالحرية تقريرًا بعنوان “أكاديمية عبد الرزاق العسكرية، مصنع لإنتاج آلات قتل محترفة” يتحدث عن جهود عبد الرزاق، الرقيب المنشق عن الجيش السوري في مدينة احتميلات، حيث خصص الأكاديمية فقط لاستقبال الأطفال والقاصرين بموافقتة أهاليهم، وفي افتتاحية العدد 46 من جريدة كلنا سوريون بعنوان “عندما يتحالف الطغاة” يهاجم رئيس التحرير جبهة النصرة، إذ كشفت عن وجهها الحقيقي وهاجمت المتظاهرين في معرة النعمان وكفرتهم واتهمتهم بالردة، وفي العدد 13 نجد مادة مهمة من “تمدن” عن الأبرياء في حلب الذين تقتلهم براميل النظام أو الهاون من المعارضة مع تبيان الفارق بين حجم الفعلين، كما قدمت “صدى الشام” ملفًا شاملًا في العدد 117 عن الجزيرة السورية وموضوع حزب الاتحاد الديمقراطي فيها، وناقشت بشكل مكثف وموضوعي الانتهاكات التي تقوم بها وحدات الحماية الشعبية، كالتهجير العرقي بحق العرب في المنطقة، وحملات التجنيد الإجباري القسري التي تنفذها الوحدات لفرض سيطرتها على مزيد من المناطق وغيرها.
أخيرًا..
كما رأينا إذن، غيّر الإعلام السوري البديل سياسته التحريرية وبات يركز أكثر على الأخطاء الثورية ومعالجتها بدل الإنكار ومحاولة تحميل النظام مسؤولية كل شيء، فالمستفيد من أخطاء الثورة، وهو النظام، ليس بالضرورة أن يكون هو الفاعل، كما سلط الإعلام البديل الضوء على الانتهاكات أيًا كان فاعلها، ولذلك فقد طاله المنع والحجب من جميع الأطراف بدءًا من “أحرار الشام” التي تسيطر على معبر باب الهوى وتمنع بتواتر دخول صحف الإعلام البديل إلى سوريا، مرورًا بوحدات الحماية الشعبية التي حظرت “عين المدينة” لاحتوائها على مواد تثقيفية توضيحية عن تنظيم الدولة، ولا داعي لذكر النظام السوري وتنظيم الدولة فلهما الحصة الأكبر دائمًا في ارتكاب الانتهاكات ضد حرية التعبير.
من الممكن للإعلام البديل أن يساهم في إبقاء أي قضية حية في التداول، كما رأينا أن مواد الإعلام البديل كانت قادرة على تركيب قصة كاملة وتبيان معرفة شاملة بها، ولذلك فإنه من الضروري أن تنظم صحف الإعلام البديل حملات مشتركة للمطالبة بمن يعتقد أنه مختطف عند مختلف الأطراف لا أن يتم الاقتصار على التركيز على قضية المخطوفين الأربعة.