دخلت الثورة السورية منعطفًا جديدًا مع ظهور الحركات السلفية الجهادية داخل سوريا، لاسيما جبهة النصرة، فرع القاعدة في سوريا، وتنظيم الدولة الإسلامية. ومنذ سيطرة التنظيم على مدينة الموصل في حزيران 2014 وإعلانه “الخلافة الإسلامية” بعدها، صدرت مئات الأبحاث والكتب التي تناقش هذا الكيان الغامض وبدرجة أقل جبهة النصرة.
نحاول في هذه الورقة استعراض تغطية بعض صحف الإعلام البديل لظهور تنظيم الدولة وجبهة النصرة والعلاقة بينهما، وتتألف الورقة من قسمين: الأول هو مقدمة نظرية عن نشأة تنظيم الدولة وجبهة النصرة ومرجعياتهما الفكرية والعقائدية، والقسم الثاني هو استعراض لتناول صحف الإعلام البديل لمسار هذين التنظيمين داخل سوريا، ثم نختم بخلاصة.
وتجدر الإشارة إلا أننا استعنا لإنجاز هذه المقدمة بعدة مراجع ودراسات أبرزها كتاب، “تنظيم الدولة الإسلامية: الأزمة السنية والصراع على الجهادية العالمية” للباحثين حسن أبو هنية ومحمد أبو رمان، وكتاب “إدارة التوحش” لأبي بكر ناجي، وهو من المراجع المعتبرة في السلفية الجهادية، وكتاب “ثياب الخليفة” لأبي قتادة الفلسطيني، وبحث أنجزه مركز الجزيرة للدراسات من تأليف عدة احثين بعنوان “تنظيم الدولة الإسلامية: النشأة، التأثير، المستقبل”، كما استفدنا من المواد البحثية التي قدمتها صحف الإعلام البديل.
إعداد: محمد رشدي شربجي و و.أ (باحث من داخل سوريا) بالتعاون مع أرشيف المطبوعات السورية
نشأة “الدولة” و”النصرة” .. ومرجعياتهما الفكرية والعقائدية
أبو مصعب الزرقاوي: من الطيش إلى العراق مرورًا بهيرات
لا شك أن أحمد فضيل الخلايلة «أبو مصعب الزرقاوي» هو الأب الروحي لتنظيم الدولة الإسلامية، ومرسي دعائمه الفكرية وبنيته التنظيمية المتماسكة، ولد الخلايلة في 20 تشرين الأول 1966، انقطع عن الدراسة في المرحلة الثانوية، وأدى الخدمة الإلزامية في الجيش الأردني في 1984، وفي الجيش دخل بمرحلة طيش وعدم اتزان، ثم سافر بعدها إلى أفغانستان في أواخر الثمانينيات، ولكنه لم يشارك بالجهاد ضد السوفييت، الذين غادروا قبل أن يصل، وهناك تعرف على أبي محمد المقدسي.
عاد الزرقاوي بعدها إلى الأردن ليعتقل مع المقدسي بالقضية التي عرفت بـ «بيعة الإمام»، وحكم فيها بـ 15 سنة، أمضى منها 6 سنوات كان فيها أميرًا للجماعة السلفية داخل السجن، ثم غادر بعدها إلى أفغانستان مؤسسًا في «هيرات» معسكرًا للتدريب. تنقل بعد هجمات 11 سبتمبر وغزو أفغانستان بين العراق وسوريا وإيران وأسس مجموعته الجهادية الخاصة، حيث أشرف على عملية اغتيال دبلوماسي أمريكي في عمان، ثم استقر في العراق بعد الغزو في 2003.
فوضى الاحتلال: من “التوحيد والجهاد” إلى “دولة الإسلام في العراق”
بينما كانت تحتفل الإدارة الأمريكية بإسقاط نظام صدام حسين وهزيمة جيشه ونهاية العمليات العسكرية في نيسان 2003، كان أبو مصعب منهمكًا في ترتيب أوضاع مجموعته الصغيرة لبدء مرحلة جديدة مع مقاومة الاحتلال الأمريكي، وقد أحاط الزرقاوي نفسه بأشد المخلصين له، وبرز اسم “التوحيد والجهاد” كأحد أبرز الحركات المناوئة للوجود الأمريكي، واستطاع أن يكسب حاضنة قوية داخل سنة العراق نتيجة لهذا.
خلال تلك الفترة بدأت النقاشات حول انضمام تنظيم التوحيد والجهاد إلى قيادة القاعدة المركزية، ولكن الخلاف الرئيسي تمثل حول الأولويات الاستراتيجية للسلفية الجهادية، حيث كانت قضية تكفير عموم الشيعة، وفقه التترس، وغيرها من القضايا مثار خلاف بين التنظيمين، وفي النهاية أجبر الزرقاوي القاعدة على القبول بشروطه، خاصة أن القاعدة كانت في أسوأ حالاتها بعد حرب أفغانستان، وفشل القاعدة في تثبيت وتأسيس فرع لها في جزيرة العرب، ما أدى إلى التحاق كثير من أعضاء القاعدة في السعودية بالزرقاوي.
ومع تنامي قدرات تنظيم القاعدة في العراق، فكّر الزرقاوي بإقامة إمارة سنية، فشكل في 2005 مجلس شورى المجاهدين، تخلى فيها الزرقاوي شكليًا عن القيادة لصالح عبد الله رشيد البغدادي، وبدأ في هذه المرحلة الاعتماد بشكل أكبر على العراقيين داخل تنظيمه، ولاحقًا ظهر الزرقاوي في خطاب نادر يتضمن حوارًا عن إمكانية إعلان إمارة إسلامية في غضون ثلاثة أشهر، ولكنه قتل بعد ذلك بشهرين (في 7 حزيران 2006)، ما حال دون القيام بذلك، الأمر الذي سارع خلفاؤه نحو التمسك به عبر إعلان قيام “ دولة العراق الإسلامية”.
دولة العراق الإسلامية: خلاف آخر بين التنظيم المركزي والفرع العراقي
ترك الزرقاوي لأتباعه منظمة متماسكة، وتابعوا فيما أراد القيام به كما قلنا، فتم الإعلان بعد مقتله بفترة وجيزة عن تشكيل “حلف المطيبين”، وهو ائتلاف يضم التشكيلات المنضوية في “مجلس شورى المجاهدين” وبعض زعماء العشائر السنية، في 12 تشرين الأول 2006، وبعدها بأيام فقط تم الإعلان عن تأسيس “دولة العراق الإسلامية”، وأصبح أبو عمر البغدادي (حامد داود الزاوي) أميرًا لدولة العراق الإسلامية، وأبو حمزة المهاجر وزيرًا للحربية.
أصبح إعلان الدولة مصدرًا جديدًا للخلاف والأزمة المكتوبة بين التنظيم المركزي والفرع القاعدي، فقد جاء في بيان صادر عن التنظيم الجديد بتاريخ 12 شباط 2007 ردًا على من يتمسك باسم القاعدة أن الدولة الإسلامية قد بينت وفي أكثر من مناسبة “أن الأخوة في تنظيم القاعدة في العراق أصبحوا جزءًا ومكونًا من جيش الدولة”، وهذا يعني أن هناك تضاربًا بصورة غير معلنة بين بيعة الزرقاوي لبن لادن، وهذه الصيغة الجديدة، وهو ما يؤكد عليه أبو عمر البغدادي مرة أخرى في تسجيل آخر إذ يقول: “ما القاعدة إلا فئة من فئات الإسلام”، وفي شريط صوتي آخر بعنوان “فأما الزبد فيذهب جفاءً” يقرر فيه أن أمير القاعدة أبا حمزة المهاجر ”أعلن وعلى الملأ بيعته وسمعه وطاعته للعبد الفقير، وحل التنظيم رسميًا لصالح دولة الإسلام دولة العراق الإسلامية”.
أدى إعلان الدولة إلى محاولة التنظيم فرض الهيمنة على المناطق السنية، وهو ما أدى إلى خدمة استراتيجية الجنرال الأمريكي بيترايوس صاحب فكرة الصحوات، فتضخمت أعداد الصحوات حتى وصلت إلى مئة ألف مسلح،وتعرض التنظيم لهزائم قاسية جعلته تنظيمًا معزولًا في صحراء الأنبار، ونتيجة لذلك غيّر التنظيم أولوياته وتخلى عن حلم التوسع والانتشار مؤقتًا، واكتفى بالعمليات الأمنية والتركيز على قتال قادة الصحوات، أي أنه عاد مرة أخرى إلى استراتيجية الزرقاوي من جديد، وبدأ التنظيم باستعادة عافيته بشكل بطيء، وفي 19 نيسان 2010أُعلن عن مقتل أبي عمر البغدادي وأبي حمزة المهاجر بغارة أمريكية، واستلم أبو بكر البغدادي زعامة التنظيم.
أبو بكر البغدادي: (الخليفة) الأعظم
أحدث أبو بكر البغدادي تغييرات كبيرة على هيكيلية التنظيم، حيث زاد من اعتماده على العنصر العراقي، وعلى مجموعة من ضباط الجيش العراقي المعروفين بالتشدد والالتزام.
مع انتهاء مفعول الاتفاقية العراقية–الأمريكية، واستكمال الانسحاب في 31 كانون الأول 2011 كان العراق واقعًا في مجال النفوذ الإيراني وهيمنة المكون الشيعي وتنامي السلطوية، وغارقًا في سياسات الطائفية واستبعاد السنة، ومفاصل الدولة متخمة بالفساد.
وقد تزامن الانسحاب الأمريكي بحدثين هامين: الأول هو الربيع العربي ووصول مده إلى سوريا في 2011والعراق في أواخر 2012، والثاني مقتل زعيم القاعدة أسامة بن لادن في أيار 2011، وقد استفاد التنظيم في هذه المرحلة من أخطاء حكومة المالكي بداية ومن ثم التداعيات الطائفية للأحداث في سوريا، حيث غذت الأحداث هناك إيديولوجية التنظيم الجديد. وفي تموز 2012 نفذ التنظيم عملية “هدم الأسوار” لاستعادة نفوذه وسيطرته الجغرافية، وبعدها بعام توّجها بشن هجوم مزدوج على سجني أبو غريب والتاجي وأسفر ذلك عن تهريب قرابة 600 سجين بينهم عدد من كبار قادة التنظيم في غزوة أطلق عليها “قهر الطواغيت”.
وفي 10 حزيران 2014 كانت الصدمة بأن سيطر التنظيم بسرعة كبيرة على مدينة الموصل ومساحات شاسعة من العراق، وفي نهاية الشهر نفسه في 29 حزيران 2014، أعلن أبو محمد العدناني الناطق باسم التنظيم، الخلافة الإسلامية، وتنصيب أبي بكر البغدادي (إبراهيم عواد البدري) خليفة للمسلمين بعد “أن اجتمع أهل الحل والعقد على ذلك”.
جبهة النصرة
لم يكن للقاعدة وجود فعلي في سوريا قبل انطلاق الثورة، مع أن تجربة الطليعة المقاتلة في سوريا في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي قدمت كثيرًا من منظري الجهادية السلفية مثل أبي مصعب الزرقاوي وأبي بصير الطرطوسي.
سعت القاعدة إلى تغيير استراتيجيتها مع انطلاق الربيع العربي، إذ اعتمد النهج الجديد على مفهوم “الأنصار”، ويعني جذب السكان المحليين إلى إيديولوجية القاعدة عبر تحويل مطلب تحكيم الشريعة من عمل نخبوي إلى عمل شعبوي، يمزح بين المدني والعسكري، ويدمج المحلي بالعالمي.
مع دخول الثورة آفاق العسكرة وبدء بوادر التسلح عمدت القاعدة إلى الاستثمار في الحالة السورية، فبدأ الجهاديون بالتوافد إلى هناك بتنسيق مع تنظيم القاعدة المركزي، وبإشراف مباشر من الفرع العراقي دون الإشارة إلى علاقته بالمركز.
أُعلن رسميًا تأسيس “جبهة النصرة لأهل الشام” بتاريخ 24 كانون الثاني 2012، مع أن التنظيم كان موجودًا منذ تموز 2011 من خلال بعض الأفراد، فقد قدم الجولاني مشروعًا لأبي بكر البغدادي يتكون من أربعين صفحة لبدء العمل الجهادي في الشام، وبناءً عليه تم تشكيل “مجلس شورى الجبهة”، الذي ضم في عضويته كلا من الجولاني والبغدادي.
ومنذ نشأة التنظيم عانى من الالتباس في الهوية، بين الفرع العراقي، الذي قاتل الجولاني في صفوفه لسنوات وكان عضوًا فيه من جهة والذي لم يكن مهتمًا بنهج القاعدة الجديد، فضلًا عن اختلافهم القديم، وتطورات المشهد الجهادي السوري، الذي يقترب بفصائله الجهادية السورية مع نهج القاعدة الجديد من جهة أخرى.
وبفترة قصيرة اكتسبت جبهة النصرة سمعة كبيرة، لدى أفضل المنظرين الجهاديين في العالم، ودعا المناصرون حول العالم إلى المساعدة في تمويل الجماعة أو الانضمام لها.
لم تنتظر الولايات المتحدة كثيرًا على محاولات جبهة النصرة التعمية، فأدرجتها على قائمة الإرهاب في 11 كانون الأول 2012، وهو الأمر الذي قوبل باسيتاء كبير حينها من المعارضة السورية والناشطين ووسائل الإعلام السورية.
ولكن مع ذلك كانت الخلافات تتسع بين التنظيم والجبهة، نظرًا لاختلاف المنهج والسلطة المرجعية عند التنظيمين، وعندما فشلت محاولات احتواء الخلاف بادر أبو بكر البغدادي في 9 نيسان 2013 إلى الإعلان عن ضم جبهة النصرة إلى دولته، لتصبح الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو ما رفضه في اليوم التالي الجولاني معلنًا بيعته للقاعدة وطالبًا حكم الظواهري في القضية.
قرر الظواهري بعد شهرين، في 9 حزيران 2013، فصل الجبهة عن الدولة وإبقاء كل منهما في نطاقه الجغرافي، ثم أصدر البغدادي بعدها بأسبوع كلمة يرفض فيها حكم الظواهري، ثم مضى المسار المعروف إلى أن وصلت الأمور إلى الاشتباكات بين فصائل الثورة وتنظيم الدولة الإسلامية، بعد قتل الأخير للطبيب أبي ريان أحد قياديي حركة أحرار الشام، وأدت هذه الاشتباكات إلى انسحاب تنظيم الدولة من إدلب وسيطرته شبه التامة على الرقة ودير الزور.
الدولة والجبهة: خلاف المرجعيات
اعتمد الزرقاوي على مرجعية شيخه أبي عبد الله المهاجر، الذي كان له الأثر المباشر في بناء عقيدته القتالية ونهجه الفقهي، وخصوصًا ما تعلق بمسألة أولوية قتال «العدو القريب» (المتمثل بالمرتدين من الأنظمة العربية الإسلامية الحاكمة)، ومسألة تكفير الشيعة عمومًا، ومعظم خيارات الزرقاوي الفقهية المتشددة الخاصة بالعمليات الانتحارية، ومسألة التترس، وعمليات الاختطاف والاغتيال، وقطع الرؤوس، وتكتيكات العنف والرعب، ويعتبر كتاب «فقه الدماء» للمهاجر أحد أبرز الكتب المؤسسة نظريًا لدى تنظيم الدولة، ومن الناحية العملية نجد كتاب «إدارة التوحش» لأبي بكر ناجي، الذي يبرر فيها تكتيكات الرعب و»نكاية العدو» ومركزية التنظيم.
على الجانب الآخر نجد جبهة النصرة قد تأثرت نظريًا وعمليًا بأطروحات أبي مصعب السوري، وإلى أطروحات عطية الله الليبي القيادي في القاعدة، فقد تبنى أبو مصعب الزرقاوي مفهوم «لا مركزية التنظيم» في كتابه الضخم «دعوة المقاومة الإسلامية»، حيث يؤسس لبناء «سرايا المقاومة الإسلامية» ومفهوم الجهاد الفردي «الذئاب المنفردة» وتحويل الجهاد إلى مشروع أمة، وتكون هذه السرايا مرنة بحيث تتعاون مع الآخرين دون فرض البيعة أو الولاء، واستقطاب الفاعلين المحليين، ويكون هدفها «دفع الصائل» عبر آليات المقاومة العسكرية دون التسرع في مشروع إقامة الدولة الإسلامية أو الخلافة الإسلامية.
كيف تناولت صحف الإعلام البديل مسار التنظميات الجهادية داخل سوريا
نحاول في هذا القسم استعراض كيفية تغطية الإعلام البديل لظهور تنظيم الدولة وجبهة النصرة في سوريا، وفي سبيل ذلك اعتمدنا مسارًا تسلسليا للأحداث بدءًا من كلمة الظواهري الأولى عن سوريا في حزيران 2011، إلى تحرير مدينة إدلب في آذار 2015، وقد استفدنا في تشكيل هذا المسار من مادتين قدمهما عبد الله سيف لموقع الجمهورية بعنوان “القاعدة في سوريا: من الدولة إلى الخلافة” ومادة بعنوان “بين الدولة الإسلامية وجبهة النصرة: القصة الكاملة”، كما استفدنا من مادة هامة قدمها الكاتب خلف علي الخلف لمركز دراسات الجمهورية الديمقراطية عن سقوط مدينة الرقة بيد تنظيم الدولة بعنوان “الفرصة الضائعة لسلطة المعارضة السورية: من عباءة الأسد إلى سيف الدولة الإسلامية”، بالإضافة لمواد هامة قدمتها صحف الإعلام البديل سبق الإشارة لها أعلاه، وتتبع شخصي لمسار بعض الأحداث.
سوريتنا (جريدة أسبوعية)
صدر العدد الأول من جريدة سوريتنا في 26 أيلول 2011، وبذلك تعتبر الجريدة أقدم صحف الإعلام البديل المستمرة إلى الآن، وتركز سوريتنا بشكل خاص على الجانب الحقوقي الإنساني في سوريا، مع تغطية كبيرة لقضية اللاجئين في الداخل ودول الشتات، ولذلك نستطيع القول إن تغطيتها لصعود الحركات الجهادية جاء ضعيفًا وخجولًا.
اعتبرت الصحيفة أن تفجير الميدان (الحي الشهير في دمشق) الأول في 6 كانون الثاني 2012 من صنيعة النظام، كما يشير المقال الذي نشر بعنوان «لماذا؟ عن تفجيرات الميدان». وفي العدد 22 بعد كلمة الظواهري الثانية عن سوريا في شباط 2012 نشرت الجريدة مقالًا بعنوان «سوريا وكذبة تنظيم القاعدة»، اعتبرت فيه أن التركيز على القاعدة هو لحرف أنظار العالم عن جرائم بشار الأسد.
تحرير الرقة، الذي شاركت فيه النصرة في آذار 2013، لم يحظ بتغطية الجريدة كذلك، ولكنها نشرت رسالة طويلة نسبيًا في العدد 77 لطبيب نفسي مقيم في ألمانيا يفند فيه حجج جبهة النصرة ويلمز من طرف إلى مبايعتها لتنظم القاعدة.
يلاحظ أن أحداثًا هامة لم تحظ بتغطية الجريدة كما قلنا، فلم تعلق الجريدة على قرار البغدادي ضم الجبهة للدولة، ومن ثم رفض النصرة لهذا القرار وإعلان تبعيتها للقاعدة، وقرار الظواهري فصل التنظيمين عن بعضهما ورفض البغدادي بعدها لقرار الظواهري، واكتفت بنشر مقال في العدد 82 بعنوان «الثورة بين القاعدة والقمة» شديد اللهجة ضد النصرة، وتقصير المعارضة وتشبيه للنصرة بنظام الأسد.
تصاعدت وتيرة المقالات المعارضة لتوجه جبهة النصرة وتنظيم الدولة في سوريا، فنجد مقالين للكاتب إلياس س إلياس في الأعداد 95 و96، منتقدًا فيهما تزايد الأسلمة، وهيمنة الدولة الإسلامية على النفط، وفي العدد 97 مقال ليامن المغربي بعنوان “من أظافر أطفال درعا إلى النصرة وأخواتها”، راثيًا الحال التي وصلت إليها الثورة، ونجد قصيدة في العدد 98 بعد اختطاف الأب باولو في الرقة.
في العدد 99 نجد تحقيقًا مطولًا أشرنا له آنفًا عن أحداث الرقة والاشتباكات بين الفصائل الإسلامية، لنجد بعدها تقارير تتحدث عن الانتهاكات التي يرتكبها تنظيم الدولة والفصائل الأخرى، كما نشرت في العدد 146 تقريرًا بعنوان“الجماعات المتطرفة في سوريا تستخدم الأطفال في القتال بالمعارك وتجندهم من خلال حملات تعليمية”، وملف العدد نفسه حمل اسم “الآن هنا، حكايات من زمن الخلافة”، وفي العدد 147 نجد تغطية عن مبايعة العشائر السورية لداعش “مبايعات في زمن الحرية”.
لم تعلق الجريدة على الاشتباكات بين جبهة النصرة وجبهة ثوار سوريا، واكتفت بالإشارة إلى حملة فيسبوكية صغيرة أطقها بعض الناشطين بعنوان «مو وقتا»، لتوجيه الأنظار لحرب نظام الأسد فقط، وأوردت خبرًا فقط على الاشتباكات بين النصرة وحركة حزم في العدد 180.
يعتبر جواد أبو المنى، رئيس تحرير جريدة سوريتنا، أن «هناك تمييزًا واضحًا بالنسبة لجريدة سوريتنا، بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة، بدأت جبهة النصرة كفصيل مقاتل ضد النظام كأي فصيل آخر، مع إدراكنا لانتمائها للتيار السلفي الجهادي، إلا أن إنجازاتها التي لا تنكر ضد نظام الأسد وغلبة العنصر السوري على كوادرها عزز أكثر فكرة انتمائها للمعارضة المسلحة بدون أطماع تأسيس دولة إسلامية، مع نهاية 2013 وتزايد العناصر غير السورية ازداد تعقيد القضية بالنسبة لنا، وهو ما جعلنا نبتعد عن أي تقييم أو تغطية غير مؤكدة، عمومًا لم نتناول النصرة بشكل مباشر في مواد الرأي، وقد وثقنا انتهاكات صريحة وواضحة قامت بها النصرة في شمال سوريا وجنوب دمشق، والأعداد طبعت ووزعت ولم تعترض النصرة على ذلك، وهو ما أراه أمرًا إيجابيًا، ولكن بالمجمل الموضوع شائك جدًا، وهو ما جعلنا نبتعد عن الدخول في تفاصيل هذه القضية.« مضيفا أنه «لا يوجد سياسة تحريرية منسقة بين صحف الإعلام البديل حول هذا الموضوع.«
عين المدينة (مجلة شهرية)
تعتبر مجلة عين المدينة من أبرز الصحف الصادرة في مدينة دير الزور (حاليًا هي الوحيدة. صدرت بعض الصحف وتوقفت)، وقد صدر عددها الأول في 14 آذار 2013. منذ بدايتها حتى منتصف 2014، وهو تاريخ سيطرة تنظيم الدولة على محافظة دير الزور، لم تأت الجريدة على ذكر تنظيم الدولة أو جبهة النصرة، سواء بالسلب أو بالإيجاب، إلا مادة في العدد 28 في شهر أيار من العام 2014 عن الاقتتال بين جبهة النصرة وتنظيم الدولة وتأثير ذلك على المدنيين، دون الإشارة إلى أسباب هذه الاشتباكات وتفاصيلها.
توقفت الجريدة منذ منتصف حزيران 2014 إلى بداية آب 2014، وهي الفترة التي سيطر فيها تنظيم الدولة على المدينة كما أشرنا، لتبدأ بعدها المجلة بتناول قضية تنظيم الدولة بشكل أعمق، معتبرة إياه عدوًا وخطرًا على الثورة السورية، فنجد في العدد 31 بتاريخ 1 آب 2014 افتتاحية بعنوان “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، تعتبر أن الثورة تمر بمرحلة عصيبة نتيجة تقدم النظام وتشتت قوى الثورة وسيطرة داعش على مدينتي الرقة ودير الزور، بالإضافة إلى سلسلة مقالات بعنوان “فتنة داعش” على مدى ثلاثة أعداد 32، 33، 34، ثم تغطية عن انتهاكات التنظيم في الريف الحلبي في العدد 33، ومادة مميزة عن أغاني داعش وجمهورها في العدد 39 للكاتب علي خطاب، مناقشًا فيه أغاني التنظيم الجديدة المنتشرة في دير الزور.
كما نجد أن المجلة بدأت بإنتاج تقارير أكثر تفصيلًا ومعرفية عن تنظيم الدولة، كما في العدد 38 عن شراكة الغاز بين نظام الأسد وتنظيم الدولة، وفي العدد 46 تقرير عن “بنية داعش المدنية وكفاءتها” وتقرير موسع في العددين48، 49 عن البنية العسكرية لتنظيم الدولة في ولاية الخير (الاسم الذي أطلقه التنظيم على معظم محافظة دير الزور)، كما يناقش في ذات العدد الواقع الإعلامي في ظل سيطرة تنظيم الدولة.
يعتبر طارق أحمد، مدير تحرير مجلة عين المدينة، أن مهمة الجريدة كانت ما قبل سيطرة داعش على دير الزور هي تسليط الضوء على حراك المجتمع السوري، ”ولذلك ركزنا بشكل خاص على المجالس المحلية والقضايا الخدمية، وأنشطة الجيش الحر لأننا نعتبر أن هذا الجيش هو ممثل للثورة ومن طرفها، ودعمه أو انتقاده بهدف تصويبه يصب في مصلحة الثورة”، لم تكن جبهة النصرة في الدير كما هي في عموم سوريا بحسب أحمد، ”حيث تدخلت بحياة الناس بشكل فج، ميزت أهالي مدينة الشحيل معقل الجبهة عن غيرهم، فذاكرة الديريين عن الجبهة سيئة، وهذا ما جعلنا نحجم عن تناولها لمخاوف أمنية بحتة تتعلق بالمراسلين والموزعين، ولأن قضيتنا هي الجيش الحر كما قلت سابقا”.
غيرت المجلة من سياستها جذريًا بعد سيطرة داعش بحسب الأحمد، ”وسياستنا التحريرية اليوم قائمة على تقديم المعرفة عن هذا التنظيم المقيت، والأهم هو تبيين تهلهله وتخبطه على الرغم مما تحاول البروباغندا الخاصة بالتنظيم تصويره وهو ما قدمناه في كثير من التقارير التي نشرناها حتى اليوم”، مردفًا “لا نهتم الآن بانتقاد جبهة النصرة، خاصة أنها لم تعد موجودة في دير الزور أصلا”.
ليس لدى المجلة أي تنسيق مع صحف أخرى بخصوص هذا الموضوع، وقد اعتبر مدير التحرير أن التنسيق بين عين المدينة وجريدة الحرمل ربما يكون الأنسب، نظرًا لصدور الأخيرة معبرة عن مدينة الرقة.
طلعنا عالحرية (مجلة نصف شهرية)
نشرت مجلة طلعنا عالحرية عددها الأول في 26 شباط 2012، ولم تهتم في بدايتها بالتغطيات الإخبارية، بقدر اهتمامها بالتأكيد على مبادئ الثورة ومفاهيم العدالة الانتقالية والمواطنة وتركيز خاص على القضية الكردية في سوريا، كما أن قضية رزان زيتونة والتوتر الحاصل مع جيش الإسلام أخذت حيزًا ملحوظًا من مسار الجريدة، ولذلك نستطيع القول إن تغطية الجريدة لتنظيم الدولة وجبهة النصرة جاءت ضعيفة أيضًا.
ففي تعليق على تفجيرات القزاز التي حدثت في 22 أيار 2012 نشرت المجلة مقالًا تحليليًا مطولًا لحركة شباب هنانو انتهت فيه إلى أن النظام هو من قام بهذا التفجير، وفي العدد 20 كتب نذير صالح مقالًا عن محاولة لفهم الخلافة بأسلوب عصري، يعتبر فيه أن الأمر يحتاج لتدرج حتى الوصول إلى هذه الخطوة، وفي العدد 21 نشرت المجلة تقريرًا مميزًا بعنوان “في ضيافة جبهة النصرة”، وهو لقاء مع أبي الحارث أحد مقاتلي الجبهة في ريف حماة.
نشرت المجلة بيان استنكار في العدد 27 بعد كلمة للظواهري في 4 آب 2014 رافضة التدخل في الشؤون الداخلية، وبنفس العدد نجد مقالًا لأبي القاسم السوري بعنوان “هل كانت بيعة النصرة حتمية”، معتبرًا أن مبايعة النصرة للقاعدة وانتشارها في سوريا جاءت نتيجة لتراجع الخطاب المدني الديموقراطي، وتورط جماعات الجيش الحر في الفساد وتلكؤ المجتمع الدولي.
كما نجد بعد إعلان الخلافة من قبل البغدادي في العدد 40 مقالًا بعنوان بيعة البغدادي وانتخابات الأسد، معتبرًا الكاتب فيه أن “دولة البغدادي هي محاكاة وهمية لدولة الأسد”، كما نجد بعض المقالات المتفرقة في الأعداد اللاحقة عن التطرف والإرهاب.
عنب بلدي (جريدة أسبوعية)
أصدرت عنب بلدي عددها الأول في 29 كانون الثاني 2012، ورغم أنها تصدر من مدينة داريا وتهتم بالتغطيات الإخبارية، إلا أننا نجدها أفردت نسبيًا مساحة جيدة لتغطية مسار النصرة وتنظيم الدولة في سوريا، ولكنها لم تنتج موادًا بحثية كما فعلت عين المدينة على سبيل المثال.
فنجد مثلا في العدد 2 تعليقًا على تفجيرات حلب اتهمت الجريدة فيه النظام بفبركتها على غرار ما فعل في تفجيرات الميدان، وفي العدد 43 نجد في الافتتاحية تعليقًا على قرار الولايات المتحدة تصنيف جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، “الشعب السوري وحده القادر على تصنيف من هو الإرهابي المجرم بحق الشعب السوري“، ونجد في العدد 60، بعد إعلان البغدادي دمج النصرة بالدولة ورفض الدولة لذلك ومبايعة القاعدة، افتتاحية بعنوان “هل تسرق الثورة؟”، كما غطت الجريدة خبر اختطاف الأب باولو في العدد 76، وأفردت مساحة واسعة للحملة الكبيرة التي شنتها فصائل المعارضة ضد تنظيم الدولة الإسلامية في بداية عام 2014 في الأعداد 98، 100، 101، 102، فنجد تقريرًا مميزًا في العدد 101 بعنوان ”مجاهدو دولة الإسلام: هل تم التغرير بهم؟”، كما غطت في العدد 103اشتباكات النصرة وتنظيم الدولة في دير الزور، مع تقرير عن ازدياد حالات خطف قادة الجيش الحر هناك من قبل المجهولين.
وعلى طول الخط يلاحظ المتابع مقالات رأي لأحمد الشامي تهاجم القاعدة وتنظيم الدولة في سوريا وتحذر منهما، وتعتبر الجريدة الإنجازات العسكرية التي يحققها تنظيم هي بمثابة انتقال “من احتلال إلى احتلال”، كما نجد في التعليق على سيطرة تنظيم الدولة على الفرقة 17 في الرقة، ولكنها بالمقابل تعتبر الإنجازات التي تحققها جبهة النصرة هي تحرير، وتعتبر أن هناك تيارًا تجديديًا داخل النصرة، كما نجد على سبيل المثال في تعليقها على مقابلة للجولاني بتاريخ 19 كانون الأول 2013 في العدد 96، وغالبًا ما تشمل جبهة النصرة مع قوى المعارضة السورية والثورة في تغطيتها، كما نجد على سبيل المثال في تغطيتها لخبر تحرير مدينة إدلب في العدد 162، كما أنها انتقدت في أكثر من مقال رأي، تركيز المجتمع الدولي على إنقاذ كوباني دون الاهتمام بباقي سوريا، التي تعيش ظروفًا أقسى، مع أن الجريدة أفردت مساحة واسعة لتغطية أخبار المعارك هناك بدءًا من العدد 137.
وفي تعليقه على سياسة الجريدة التحريرية يقول عمار زيادة، مدير تحرير عنب بلدي، “طالما بقيت النصرة مرتبطة بالقاعدة فهي ليست من مكونات الثورة ولن تكون، لأنها تؤمن بالإمارة والوصاية على الشعب، ولا تعتبر نفسها جزءًا منه”، مضيفًا أن “الفرق بين تنظيم الدولة والنصرة من حيث تغطياتنا، هي أن الدولة عدو مباشر للثورة، وتعمل على فتح جبهات دائمًا ضد مقاتلي الثورة وتنكل بهم، وهم مقاتلون أجانب من خارج سوريا وليس لهم حق في هذه الأرض”، أما بالنسبة للنصرة “ فرغم أن هناك تقارب فكري واضح بينهم وبين تنظيم الدولة، إلا أن الفرق يكمن في أن مقاتليها سوريون في المعظم، وفيها تيار يحاول الاقتراب من المعتدلين، وتصحيح الأخطاء، هذا التيار يعزل شيئًا فشيئًا وتترك الساحة داخل النصرة للأكثر تطرفًا”، ويعتقد زيادة أن “سلوك النصرة في أماكن كثيرة مشابه لسلوك داعش، فهي تضيق على الإعلاميين أو العاملين في مجال المجتمع المدني، وسبق أن اقتحمت بعض مراكز الصحف والإذاعات داخل سوريا”.
صدى الشام (جريدة أسبوعية)
أسبوعية مستقلة، صدر عددها الأول في 29 تموز 2013، وقد اتخذت منذ صدورها موقفًا حادًا ضد جبهة النصرة، كما يشير مقال رأي كتبه عمار الأحمد بعنوان «جبهة النصرة وتدمير الثورة»، معتبرًا فيه أن النظام سمح لها بالوجود بغية تدمير الثورة، كما نجد في ذات العدد تغطية عن عمليات الاختطاف في مدينة الرقة «الغارقة في الفوضى». كما نجد في العدد الرابع تغطية عن خبر اختطاف تنظيم الدولة الإسلامية للأب باولو في الرقة، ذاكرًا في نهاية التغطية أن « تنظيم الدولة يعتبر من أبرز الفصائل التي تقاتل السلطات السورية إلى جانب جبهة النصرة»، وفي العدد 9 نجد تغطية موسعة عن هجوم داعش على معسكرات المعارضة، ومقالًا لعمار الأحمد يحذر فيه من خطر داعش وجبهة النصرة على الثورة السورية.
بعد مقابلة الجولاني على الجزيرة نشرت صدى الشام مقالًا في العدد 20 ينتقد فيه هذه المقابلة، ويعتبرها محاولة من الجزيرة لتلميع القاعدة في سوريا، وفي نفس العدد تنقل الجريدة عن الهيئات الشرعية السورية استنكارها لتنظيم الدولة واعتباره فتنة وشرًا.
غطت الجريدة بشكل موسع أخبار الاشتباكات بين فصائل المعارضة وتنظيم الدولة في بداية 2014، ونجد في العدد 23 تقريرًا مفيدًا عن تقاسم مناطق النفوذ داخل مناطق المعارضة، واستمرت هذه التغطية في العدد 24 كذلك الأمر، ونجد بشكل عام على طول الخط مقالات تهاجم تنظيم الدولة باعتباره عدوًا للثورة والكتائب الثورية، وجبهة النصرة، خاصة عندما تشتبك مع فصائل المعارضة، كما نجد في مقال نشر بعد اشتباكات النصرة وجبهة ثوار سوريا بعنوان «دعشنة النصرة» وغيرها كثير.
يعتبر عبسي سميسم، رئيس تحرير صدى الشام، أن «جبهة النصرة وتنظيم الدولة هما واحد كمشاريع أممية تشكل خطرًا على الثورة السورية، وهما متشابهتان لناحية التفكير الإقصائي الشمولي، وأخوة منهج، مع أننا نعتبر أن تنظيم الدولة هو تنظيم استخباراتي أكثر منه تنظيم سلفي جهادي»، وبالنسبة للتغطية الإعلامية يضيف سميسم «نحاول مراعاة مشاركة الجبهة مع فصائل المعارضة السورية، كما أننا نوزع الجريدة في أماكن سيطرتها، ولذلك نحاول إيصال الافكار بين السطور وبالحد الأدنى من الاستفزاز الذي يمنع الجريدة نهائيا».
كلنا سوريون (جريدة نصف شهرية)
صدر العدد الأول من كلنا سوريون في 15 شباط 2014، وهي جريدة سياسية ثقافية نصف شهرية، وبسبب طبيعتها هذه، فإنها لم تقدم تغطيات إخبارية تفصيلية بشكل عام، واكتفت بالمقالات التحليلية والنخبوية لرصد ظاهرة تنظيم الدولة بشكل خاص، والنصرة بشكل أقل، فنجدها تعلق في العدد 10 على المانشيت بعد إعلان الخلافة “حين عليك أن تبايع قسرًا”، وفي نفس العدد كتب أسعد شلاش مقالًا تحليليًا عن نشوء تنظيم الدولة بعنوان “دولة الخلافة من الحقيقة إلى الوهم”، وفي العدد 11 نجد مقالًا لفاضل فاضل بعنوان “داعش بين النثري والمختل”، كما غطت بشكل موسع الإعدامات التي نفذها تنظيم الدولة بحق عشيرة الشعيطات في العدد 13، وسلسلة مقالات تحليلية مطولة عن “جذور العنف في التفكير العربي الإسلامي“.
الغربال (مجلة شهرية)
أصدرت الغربال عددها صفر في 1 كانون الثاني 2013 من مدينة كفرنبل، وقد كانت في البداية نصف شهرية، ثم تحولت إلى شهرية مع تحسن مستواها الفني وزيادة عدد صفحاتها. تعرضت المجلة للإيقاف لثلاثة أشهر نتيجة مداهمة عناصر من تنظيم الدولة لمكتبها على خلفية مقال لدلع المفتي ينتقد التبرعات لصالح المنشورات الدينية في سوريا، في حين يموت السوريون من الجوع والبرد، واختطف رئيس تحريرها محمد السلوم، الذي استطاعت قوة من الجيش الحر تحريره بعد طرد تنظيم الدولة من المحافظة.
اهتمت المجلة بشكل خاص بتغطية أخبار كفرنبل وأحوالها الميدانية، من التعليم إلى الصحة إلى مخالفات البناء إلى الفلتان الأمني وغيره، ولذلك فإنها لمجمل الأسباب السابقة مجتمعة جاءت تغطيتها لقضية تنظيم الدولة ضعيفة، في حين يندر التطرق لجبهة النصرة.
من المواد القليلة التي نراها عالجت هذا الموضوع، مادة رأي لأحمد اليوسف في العدد 15 بعنوان “عقد اجتماعي أم دولة الخلافة”، وفي العدد 18 مقال لنفس الكاتب عن “ثقافة الانحطاط الديني الأمجادية”، وعن تنظيم الدولة نجد في العدد 17 للكاتب رامي سويد تقريرًا بعنوان «فكأنما قتل الناس جميعًا» عن نكث عناصر تنظيم الدولة لعهدهم وهجومهم على قافلة الهلال الأحمر المتجهة إلى سجن حلب المركزي، وفي العدد 20 لنفس الكاتب عن حالة مدينة حلب بعد طرد تنظيم الدولة منها، وفي العدد 22 يناقش رامي سويد بالتفاصيل انضمام لواء داوود لتنظيم الدولة الإسلامية، كما نجد في العدد 25 توثيقًا لقصة أحد الناجين من معتقلات تنظيم الدولة، في العدد 29، الصادر الشهر الماضي، نجد تحقيقًا موسعًا عن شراء تنظيم الدولة للسلاح من سوق مدينة إدلب.
يختلف رامي سويد، رئيس تحرر المجلة الحالي، مع النتيجة السابقة، ويعتبر «أن قضية تنظيم الدولة وجبهة النصرة كانت حاضرة في كل عدد تقريبًا»، موضحًا أن «الغربال ملزمة بطبيعة الحال بخط الثورة السورية، الذي يعتبر الحرية والعدالة والمساواة حق لكل السوريين، وهي حددت هويتها بكونها مجلة ناقدة، وهذا ما يجعلها تقف على مسافة واحدة من جميع الفصائل المسلحة الموجودة في سوريا بدون تحيز لأي فصيل وبدون مواقف مسبقة ضد أي فصيل»، ولكن هذا لا يعني، بحسب سويد، التسويق لأحد، «فغربال لم تكن ولن تكون منصعة للتهجم على أحد أو للتسويق لأحد،نحن نتعاطى مع جميع الأحداث في سوريا بموضوعية ودون تحيز».
خلاصة
إن اختلاف المسار والمرجعيات الفكرية والعقائدية بين تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة لأهل الشام، ترك أثره على سلوك كلا التنظيمين داخل سوريا، كما أوضحنا في البداية، وهو ما وجدناه في صحف الإعلام البديل التي مرّ ذكرها، فمع أن جميع الصحف التي تتبعناها لا تتخذ موقفًا مؤيدًا بحال من الأحوال، سواء للجبهة أو لتنظيم الدولة، فإننا نجد أن موقفها ضد التنظيم أشد صرامة وحدية من موقفها من جبهة النصرة، بسبب انخراطها وتنسيقها الفعّال مع فصائل المعارضة السورية، ويضاف إلى ما سبق أن الضغوط التي تمارسها النصرة والحركات السلفية الجهادية عمومًا على وسائل الإعلام، وتحكمها بمناطق وطرق توزيع هذه المجلات، خفف من وتيرة النقد القاسي تجاه النصرة.
لا تعتبر تغطية معظم الصحف الواردة في هذه الورقة بالمستوى المطلوب، فكثيرًا ما غابت أحداث كبرى في مسار العلاقة بين تنظيم الدولة والنصرة عن هذه الصحف، مع أن هذه الأحداث ذاتها تصدرت عناوين الصحف العربية والعالمية، كما لاحظنا غياب التنسيق بين هذه الصحف لاعتماد سياسة تحريرية منسقة تجاه هذا الموضوع الشائك.