الحرمل | العدد 22 | 15 آب 2015
تراهم لساعات طوال وهم يقفون في طوابير طويلة، كل منهم يحمل بقايا أوراق فيها علامة لهويته، وقد لخصت تلك الورقة آلام الرحلة وعذابها، فتعلوها بقع سوداء وبقايا بللت بماء البحر.. إنهم اللاجئون القادمون من الشرق الأوسط، وأغلبهم سوريون، وقد وصلوا لتوهم إلى سواحل جزيرة ليسبوس اليونانية، وتبدو وجوههم واجمة من فرط التعب ووجوههم مطبقة من فرط الجوع.
عشرات اللاجئين يصلون كل يوم بينهم أطفال ونساء وحوامل
وكالات – ليسبوس (اليونان)
– تقع جزيرة ليسبوس بشمال اليونان على مسافة ساعتين بالبحر من السواحل الغربية لتركيا، وقد أصبحت البوابة الرئيسية لدخول الاتحاد الأوروبي التي يقصدها اللاجئون الذين يفرون من الصراع في سوريا ومن الشرق الأوسط بوجه عام. ومن حسن الحظ أو من سوئه فإن شواطئ ليسبوس هي الأقرب والأنسب للوصول إلى «بر الأمان»، حسب قول العديد من اللاجئين.
إنهم ضمن عشرات الآلاف الذين دخلوا اليونان بطرق غير شرعية منذ بداية العام، فيما وصف الاتحاد الأوروبي الحالة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية منذ الحرب العالمية الثانية. إذ تشهد جزيرة ليسبوس اليونانية وصول عدد متزايد من اللاجئين الذين هربوا من أهوال الحروب الأهلية عبر قوارب الموت بعد دفع الآلاف لتجار استغلوا ظروف المستضعفين برفع أسعار التهريب البشري.
وبما أن أوروبا تشكل تطلعاً أساسياً لدى السوريين، فإن اليونان تعتبر بوابة رئيسية للوصول إلى دول أكثر ازدهاراً تؤمن لهم ما يحلمون به من عيش كريم وآمن. لكن الوصول إلى الدولة اليونانية وإن كان يتم بشكل كبير عبر الممر التركي، فهو أيضاً يحصل بحراً عبر شبكات تهريب محلية تأخذ آلاف الدولارات مقابل إيصالهم إلى اليونان وإيطاليا.. هذا بالطبع إن وصلوا. ويقول أحد الشباب اللاجئين عمره 26 عاماً سافر بصحبة أخته الصغيرة «لا يهم إلى أين أذهب الآن، أنا سعيد لخروجي من سوريا وحسب، نعم نستحق جميعا الحياة».
بعد 10 ساعات من الإبحار في البحر الأبيض المتوسط يصل الفارون إلى جزيرة ليسبوس ومعظمهم من الأطفال والنساء الحوامل، وفي انتظارهم أعضاء من منظمة الأمم المتحدة وجمعيات خيرية ومتطوعون منهم أطباء وأصحاب مطاعم ومترجمون وسكان محليون وسياح وغيرهم من الذين تعودوا على استقبال المراكب المحملة باللاجئين في الأشهر والسنوات الأخيرة. وعند وصولهم يتلقى اللاجئون العناية الضرورية من أكل وعلاج وفراش، وبعدها يتم تسجيلهم لنقلهم إلى المخيمات.
عشرات الآلاف من اللاجئين يقضون ساعات طويلة من الإبحار على حافة الموت بين تركيا واليونان، وطبقاً لتقديرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين استقبلت اليونان أكثر من 107 آلاف لاجئ ومهاجر هذا العام أي أكثر من ضعف العدد ممن استقبلتهم عام 2014، وبلغ عددهم 43500. ووفقاً لما جاء في روايات عدة أشخاص بمراكز الاستقبال في الجزيرة ينتظرون الأوراق اللازمة للانتقال إلى دول أوروبية أخرى، فإن القوارب هي وسيلة النقل الرئيسية عبر مضيق بحري طوله 20 كيلومترا بين تركيا وليسبوس.
ويشهد على ذلك طريق ترابي بين منطقتي ميثيمنا وسكالا سيكامينياس في شمال ليسبوس، حيث تتناثر بقايا القوارب المطاطية وسترات النجاة التي ألقيت على الشاطئ. إذ تتمزق القوارب لدى وصول اللاجئين إلى اليابسة، وعند وصولهم تأتي إلى المنطقة ليحملوا ما يمكن أن يستفيدوا منه مثل المحركات والقواعد المصنوعة من الخشب والفايبرجلاس التي توضع في قاع القارب.
ويقول مراقبون إن تدفق اللاجئين يصل إلى 250 يومياً في المتوسط، وينجح البعض في الوصول إلى المتطوعين الذين يعدون الترتيبات لإطعامهم ونقلهم بحافلات إلى ميتيليني المدينة الرئيسية بالجزيرة، حيث يتم اصطحابهم إلى مراكز الاستقبال لتحديد هوياتهم، أما آخرون فيهيمون على وجوههم فيسلكون الطريق الترابي ليصلوا إلى أقرب منطقة مأهولة على بعد نحو 10 كلم.
ومن الشهادات الملفتة التي يرويها أفراد الحرس البحري اليوناني، يقول أنطونيس ديليجورجييس الرقيب في الجيش اليوناني الذي أنقذ في إحدى المرات، دفعة واحدة، 20 مهاجراً انقلب مركبهم، إنه لا يستطيع تذكر الذين أنقذهم بقدر ما يتذكر الرجل الأربعيني الذي مات اختناقاً على الرغم من محاولات الإسعاف التي قدمها له، بعدما انتشله من البحر. ديليجورجييس الذي أنقذ أيضا إريترية حاملاً، والتي عادت وسمت ابنها لاحقاً على اسم منقذها يؤكد «لا بطولة أو شجاعة في الواجب الذي قمت به. أما عن اللحظة التي انتشل فيها تلك الإريترية فيقول «لن أنسى أبدا وجهها.. أبداً».
شهادات من المنقذين تروي قصصا مرعبة عن حالات غرق
وقد تعاطف أيضا العديد من السكان مع قضية «لاجئي القوارب»، مثل إريك كمبسون بريطاني يعيش مع زوجته في نفس الجزيرة منذ 16 سنة، وقد تخصص في الآونة الأخيرة بمتابعة اللاجئين الهاربين إلى اليونان عبر الحدود التركية من خلال مراقبة الزوارق الصغيرة.
أما الهدف فهو إطعام من هم بأمس الحاجة إلى الأكل، إرواؤهم وتجفيف ملابسهم، والأولوية للنساء والأطفال السوريين. ويقول كمبسون «عندما ترى طفلاً عمره أسبوعين بهذه الحالة، وأشخاصاً مقطوعي الأقدام وآخرين لم يأكلوا منذ فترة، لا تستطيع أن تقف مكتوف الأيدي. لم أبك طوال عشرين عاماً، أنا رجل قاسي القلب، لكنني بكيت كثيراً في الأعوام الأربعة الأخيرة».
في جنوب الجزيرة، أشخاص آخرون أخذوا على عاتقهم أن يساعدوا اللاجئين عبر عمل تطوعي في مركز أطلقوا عليه اسم «قريتنا سوية». ويقول أحد مؤسسي هذا المركز ويدعى إيفي لاتسوديس إنه لا يستطيع البقاء على حياد أمام أشخاص وهم يموتون مع أطفالهم. ويتابع «هذا مستحيل، أن تترك شخصاً يموت في الشارع فهذا أيضا جريمة».
ويقول ويل تيرنر، وهو طالب حقوق شارك في عمليات الإنقاذ، نشر مقالاً في صحيفة «الاندبندنت» البريطانية حول الكارثة الإنسانية التي أصبح البحر الأبيض المتوسط مسرحاً لها، روى فيه حكايات مروعة عن مهاجرين هاربين من الحروب والقمع والعنف في بلدانهم، يواجهون خطر الموت من أجل الوصول إلى أوروبا.
وقال تيرنر إن سفينة إنقاذ تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود تلقت إنذاراً بغرق قارب على متنه نحو 700 شخص، فتوجهت إلى المكان لتجد مناظر مروعة، لأشخاص يمسكون بسترات النجاة لعلها تنقذهم من الغرق، وأغراضهم تطفو من حولهم.