العهد | العدد 74 | 21 تموز 2016
نصرة داريا اليوم أصبحت من أوجب الواجبات على كل قادر، كل في جبهته واختصاصه. فمعركتنا واحدة وجسدنا واحد وقضيتنا واحدة، وأخص بالذكر أهلنا في معضمية العز وخان الشيح وحوران الفزعة
العهد – ضياء الشامي
من الصعب أن تتحدث عن داريا في هذه الأيام دون أن يصيبك شعور بالقلق. فمن غير اللائق أن تضطر مدينة بقامة داريا وشجاعتها و بهائها وألقها للاستجداء وطلب النصرة وهي السباقة في كل شيء.
داريا التي نتحدث عنها مدينة لا تشبه المدن الأخرى، فهي مدرسة متكاملة قدّر لها أن تكون النموذج الأنصع للثورة، والقدوة التي لم تعرف سورية لها مثيلا ، والبقعة الجغرافية التي كسرت شوكة الأسد لسنوات قبل أن تنكسر.
حاضرة منذ البدايات
لم تغب داريا عن روح الثورة منذ اليوم الأول، ولم تتردد أو تتقاعس أبداً، فكانت من أوائل المدن التي هبت عن بكرة أبيها بشبابها وشيبها ونسائها وحتى أطفالها من أجل نصرة مدينة درعا، كما أنها من أوائل من رفع الورود في وجه جيش الأسد وخاطبه بأروع العبارات مستثيراً الإنسانية الغائبة فيه، وكان قادتها الشباب في مقدمة من استشهدوا على محراب الحرية أمثال الشهيد الشاب غياث مطر .
وعلى مر سنوات الثورة لم تغب داريا عن واجهة الأحداث، ولم تتقاعس أبداً، ولو كلفها ذلك دفع الفاتورة الباهظة، فشهدت من البدايات المجزرة الأكبر التي حصدت المئات من المدنيين وأبادت عائلات كاملة، ثم عانت من حصار كامل منذ نهاية عام 2012 ، وتعرضت للحملات الشرسة وللقصف بكافة أنواع الأسلحة حتى المحرمة منها والكيماوية، فجاع أهلها وفقدوا مقومات الحياة كلها إلا الإرادة والعزم على إكمال المشوار .
داريا .. النموذج الثوري الذي حلم به السوريون
لم تدهش داريا السوريين وغيرهم بصمودها الأسطوري في وجه آلة القمع الوحشية التي أرادت إفنائها منذ بداية الثورة، بل وضعت لهم الصورة الحية لشكل الدولة التي حلم بها السوريون، وأكدت بالدليل الحي أن السوريين قادرون على أن يديروا شؤونهم بمعزل عن أي تدخل خارجي .
فمن داريا خرجت بذرة أول كيان ثوري جامع “مجلس قيادة الثورة ” الذي أسسه الشهيد فيصل الشامي المعروف بلقب “أبو مالك” في محاولة لتنظيم الحراك الثوري في دمشق وبقية المحافظات، كما اشتهرت داريا بمكاتبها المختصة ومجلسها المحلي والعديد من المؤسسات التي تولت إدارة المدينة بشكل ممتاز وتجاوزت معاً المحن الكثيرة وذللت الصعوبات مع شح وندرة الموارد و التمويل .
لقد كانت داريا يدا واحدة، ولم تشهد فرقة بين الفصائل أو مشكلات أو نزاعات أو تحزبات، ولم تعرف معنى التطرف أو التشدد، بل كانت ومازالت تعيش بنفسٍ سوريٍّ يحافظ على الفكر الوسطي سواء الديني أو السياسي .
حقائق وأرقام
ولمدينة داريا موقع استراتيجي حساس، يهدد أمن نظام الأسد القابع في دمشق، فهي لا تبعد أكثر من 7 كيلومترات عن القصر الجمهوري، ولها اتصال جغرافي مع بساتين كفرسوسة التي تصل إلى قلب دمشق ومراكزها الأمنية، مما جعلها نقطة انطلاق مثالية باتجاه العاصمة، كما أن قربها من عدد من المنشآت العسكربة كمطار مزة العسكري ومقر الفرقة الرابعة كان وبالاً عليها، حيث أصبحت هدفاً حتمياً لنيران الأسد وهجماته .
تعرضت المدينة خلال السنوات الثلاثة الأخيرة للمئات من الغارات الجوية وسقطت عليها آلاف القذائف المختلفة من براميل متفجرة وقنابل عنقودية وصواريخ أرض أرض، وجربت فيها قوات الأسد مختلف التكتيكات العسكرية واستقدمت على جبهاتها قوات النخبة التي لم تنجح، رغم أن حجم الدمار الذي طال المدينة بلغ 95 % من مساحتها.
كما قدمت المدينة خلال سنوات الثورة ما يقارب ال 2500 شهيداً، و 250 ألف نازح، بالإضافة إلى 8 آلاف مدني محاصرين في بقعة لا تتجاوز عدة كيلومترات يفتقرون لمقومات الحياة الأساسية.
حصار وحملات عسكرية تهدد المدينة وأهلها
وعلى مشارف السنة الرابعة من الحصار، ومع انطفاء العديد من الجبهات تمكنت قوات الأسد من التقدم إلى عمق المدينة رويداً رويداً، وذلك بعد أن فصلتها بشكل تام عن مدينة المعضمية قاطعة خط الإمداد الأخير، كما استهدفت نيران الأسد مزارع المدينة وبساتينها التي كانت منطلقاً
للعديد من الهجمات التي شنها الثوار والمورد الغذائي الوحيد الذي يمد سكان المدينة بالغذاء، وبذلك بات أكثر من 8000 مدني محاصرين في بقعة جغرافية لا تتعدى الكيلومتر المربع ، تتآكل مع الكثافة النارية الضخمة والأسلحة المتطورة التي تستخدمها قوات الأسد والتي كان آخرها كاسحات الألغام التي لا يوقفها شيء.
يقول الناشط مهند أبوالزين من داريا في تصريح خاص للعهد : “الوضع الحالي الذي تعيشه داريا يعتبر الأخطر منذ أربع سنوات، فقد أصبحت قوات الأسد اليوم على مشارف المنطقة السكنية وبات على الثوار صد الهجوم من داخل الأبنية وسط حالة إنسانية سيئة جداً نتيجة لسيطرة النظام على الأراضي الزراعية التي كانت مصدر الغذاء الوحيد ، مما تسبب في كثافة سكانية مرتفعة تنحصر في بقعة صغيرة وتتعرض يوميا للقصف والاستهداف”.
وأشار أبو الزين إلى أنه “بالتزامن مع الحملة الشرسة واستبسال الثوار، يرفض نظام الأسد أية هدنة أو حل يضمن سلامة المدنيين و مطلبه الوحيد استسلام الثوار دون أي قيد أو شرط أو حتى ضمانات “.
وقفات ومناشدات
ومع تزايد وطأة الحصار والعمليات العسكرية، بدأ الحراك الثوري يفعل قضية داريا الغائبة عن الساحة الإعلامية، فقدخرج مجموعة من أفراد الكادر الطبي في مدينة دوما في وقفة تضامنية صامتة مع داريا حيث صرح أبو علي الحسن مدير المكتب الإعلامي في المكتب الطبي في حديث خاص للعهد:” أردنا في المكتب الطبي لمدينة دوما أن نشارك داريا وجعها ولو بشيء بسيط، للتذكير بأن داريا والغوطة وسورية كلها أرض محتلة وهي وحدة لاتتجزأ .”
كما خرج المدنيون في كل من دوما ووادي بردى ويلدا وقدسيا وحمورية وفي العديد من المناطق بمظاهرات حاشدة طالبوا فيها قادة الفصائل بتحريك الجبهات والضغط على النظام للتخفيف عن المدينة المنكوبة، وفي غمرة الحراك المدني شاركت نساء الغوطة الشرقية أيضاً بوقفة تضامنية نسائية رفعن فيها شعارات المؤازرة والتضامن للبلدة الجريحة داعيات بدورهنّ ثوار سورية للتحرك حفاظاً على أيقونة الثورة من الزوال.
في حين عقدت مجموعة من الفعاليات الثورية في محافظة درعا اجتماعاً طارئاً بهدف الضغط على فصائل المحافظة لنصرة داريا، ضمّ قادة التشكيلات الثورية، بالإضافة لممثلين عن هيئة الإصلاح في محافظة درعا، ورئيس مجلس محافظة درعا الحرة الدكتور يعقوب العمار، ورئيس محكمة دار العدل الشيخ عصمت العبسي، كما أصدر عدد من الكيانات الثورية بيانات دعت فيها كل الجبهات إلى نصرة مدينة داريا كالائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة وجماعة الإخوان المسلمين في سورية والمجلس الإسلامي السوري، وعدد كبير من الناشطين الإعلاميين المستقلين والهيئات المدنية التي وقعت على بيان النفير العام .
لم يكن الحراك الثوري الشعبي موجهاً للداخل فقط بل أريد به خلق ضغط إعلامي يحرج الدول الصديقة لسورية ويدفعها إلى التحرك في المحافل الدولية لإرغام الأسد على القبول بحل يحفظ تاريخ المدينة وأهلها.
كيف ننصر داريا؟
يرى كثيرون أنه على الرغم من الإمكانات المتوافرة بين أيدي السوريين التي ليست بالكبيرة ولا بالمعول عليها إلا أنها قد تنجح في التأثير فيما لو تحركت مجتمعة سواء كانت إعلامية أو سياسية أو شعبية أو عسكرية .
فقد أكد الناشط مهند أبو الزين للعهد أن :“ثوار داريا يطالبون الجميع دون استثناء بتلبية الاستحقاق الثوري ودعم داريا بشتى الوسائل وخصوصاً فتح الجبهات كلها لتخفيف الضغط عن المدينة وإلزام النظام بحل يضمن تضحيات المدينة وأهلها ويحفظ المدنيين من الانتقام “.
وقال أبو الزين “نحن في داريا مستعدون لأي حل وفق الشروط السابقة، ونوجه نداءنا للجميع دون استثنناء درعا والغوطة وادلب وحلب وعموم مناطق سورية .”
ويؤكد البعض أنه مع الظروف الحالية لم يعد نصرة مدينة دارياً واجباً ثورياً أو عسكرياً فحسب بل أصبح واجباً دينياً يحض عليه الشرع وينادي به.
ومن منبر العهد وجه الشيخ محمد الخطيب عضو مجلس شورى الجبهة الشامية نداءه قائلاً : “يقول تعالى {وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر }إخواننا في أيقونة الثورة ومشعلها ينادون أهلهم ويستغيثون بإخوانهم وقد بلغ بهم الكرب كل مبلغ فهل من مجيب ؟! هل من منتفض لصرخات الأطفال؟ هل من حافظ لعرض مهدد بالزوال؟ هل من منقذ لبلاد تستصرخ وجلة من وطأة طائفي حاقد يحمل السكين والأغلال؟
نصرة داريا اليوم أصبحت من أوجب الواجبات على كل قادر ،كل في جبهته واختصاصه. فمعركتنا واحدة وجسدنا واحد وقضيتنا واحدة، وأخص بالذكر أهلنا في معضمية العز وخان الشيح وحوران الفزعة.
هل ستتركون إخوانكم لمصيرهم وتنتظرون ذات المصير بعده، أم أن أخوة الدين والعنب والدم لن تموت ولن تضيع؟”
ربما تسقط داريا في يد الأسد كما سقط غيرها، وربما يغيب اسم المدينة عن أخبار الثورة المحتضرة، ولكن من المؤكد أنه ما من سوري سينسى داريا وصمودها، وأن التاريخ سيكتب يوماً عن ثلة من المخلصين قدموا أنفسهم ومدينتهم وعائلاتهم قرباناً لحرية حلم بها السوريون ولمّا يصلوا إليها بعد.