صدى الشام | العدد 120 | 16 كانون الأول 2015

حاوره- مصطفى محمد

رحب الاستاذ فؤاد إيليا، رئيس الأمانة العامة الجديدة لإعلان دمشق، بالقرارات الصادرة عن مؤتمر “الرياض” للمعارضة السورية، وقال إن 70% من مطالب الشعب السوري قد تتحقق بعيد ما وصفه بـ”استيعاب المجتمع الدولي لمطالب الثورة”. لافتاً إلى أن الإعلان لم يكن ممثلاً في المؤتمر، وتطرق خلال اللقاء إلى خطة الأمانة الجديدة للعمل، معبراً عن توجسه من اللقاءات المنفردة للمكونات السورية التي ترعاها الجمعية الوطنية السورية. “صدى الشام” أجرت حواراً مطولاً معه، وفيما يلي نص الحوار.

– قبل ثلاثة أيام من انعقاد مؤتمر الرياض الأخير، قلت في تدوينة على “فيسبوك”، “الفيسبوك يسألني بماذا أفكر، أفكر في هذا المؤتمر الذي سيعقد دون معرفة من السوريين للهدف الأساسي منه… وما هي الغاية الحقيقية لعقده”. اليوم وبعد انعقاد هذا المؤتمر، هل اتضح ما كان غامضاً لديك؟

نسبياً، اتضح لدي أن المؤتمر هو استكمال لمؤتمر “فيينا”، الذي اتُفق فيه على أن تقوم الرياض بمهمة جمع السوريين، لإنهاء الحديث حول المعارضة المفككة، لتوحيد رؤية المعارضة أولاً، ولتشكيل وفد للتفاوض. هذا الأمر اتضح الآن بعد انعقاد المؤتمر، لكن كل هذا لم يكن واضحاً قبل انعقاد المؤتمر، لأسباب متعددة، منها وضوح الخلافات بين الفرقاء حول من يمثل المعارضة، وكيف سيكون تمثيل الائتلاف. كان السؤال يراودني قبل انعقاد المؤتمر إن كان هذا المؤتمر هو محاولة من السعودية لسحب الاعتراف الذي حظي به الائتلاف.

لقد استطاعت المملكة أن تجمع المعارضة السياسية والعسكرية. وبعض من كان يميل للابتعاد عن الائتلاف، واقصد هنا شخصيات من هيئة التنسيق. هذا الأمر أصبح واضحاً الآن، وبالتالي لا قرار دولي بالتخلي عن المعارضة.

– وهل كانت لديك هواجس حول التخلي الدولي عن المعارضة السورية؟

نعم كان لدي هواجس مبنية على أن المعارضة قد لا تتفق، وكان لدي خوف من تخلي المجتمع الدولي عن هذه المعارضة أيضاً، أو أن يكون هنالك ضغوط من أجل تخفيض سقف المطالب. لكن تبين أن المجتمع الدولي يستوعب الثورة السورية، ويفهم مطالب الشعب السوري، وهذا لا يعني أنه قد يكون هناك محاولات لتسويات في المجتمع الدولي أو الإقليمي للضغط على المعارضة لتقديم تنازلات. لكنني أستطيع القول إن أكثر من 70% مما كان يطالب به الشعب يمكن أن يتحقق.

– من خلال حديثك السابق لاحظت أنك راض بشكل شخصي عن هذا المؤتمر، هل هذا ينطبق على إعلان دمشق أيضاً؟

نستطيع أن نقيم بإيجابية نسبية مخرجات هذا المؤتمر، لكننا سنبقى نسبياً حذرين من بعض الإشكالات التي يمكن أن تظهر هنا وهناك.

– نريد توضيحا أكثر عن هذه الإشكالات التي يمكن أن تظهر؟

الإشكالات بالدرجة الأساسية قد تكون من طرف روسيا والنظام وإيران، ومن طرف بعض من يدعي أنه من المعارضة، لكنه ينفذ أجندات تخدم النظام بشكل ما.

– لنسمي الأمور بمسمياتها، من هم هؤلاء الذين يدعون أنهم من المعارضة؟

على سبيل المثال، لدينا بعض الملاحظات حول انعقاد مؤتمر “ديريك” المتزامن مع مؤتمر الرياض، والجهات التي دفعت لعقده. والحديث هنا عن وجود دفع إيراني. وأكثر من ذلك أن بعض أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية تدعي أنها معارضة، بينما هي تخدم النظام، وتخدم مصالحها بالذات.

– بالعودة إلى مؤتمر الرياض وهو الحدث الأبرز الراهن، تحدثت عن إمكانية تحقيق 70% من مطالب السوريين بعد هذا المؤتمر، هل نستطيع وصف هذا المؤتمر بغير المسبوق من جانب المعارضة؟

قد نبالغ إن قلنا أنه غير مسبوق. فإن قلنا ذلك، فكأن هذه الحالة التي هي أمامنا لم تكن موجودة. كان هنالك معارضة حقيقية تقف بأجندات لتنفيذ مطالب الشعب، تتمثل بالمعارضة السياسية والمسلحة بداية الثورة. تقريباً، المؤتمر هو عودة بالمعارضة إلى الجذور.

إيليا: مؤتمر الرياض هو عودة بالمعارضة السورية إلى الجذور.

– السؤال الذي يراود الجميع هنا، ما هو الضامن أن يستجيب النظام للتفاوض مع المعارضة؟

المجتمع الدولي اليوم هو الولايات المتحدة فقط، رغم أن الولايات المتحدة لا تريد إظهار ذلك. بالمقابل، هي لا ترغب في حل المشاكل السياسية حول العالم بالسلاح، وأعني هنا إدارة “أوباما”.

– لماذا لم يُمثل إعلان دمشق في المؤتمر، أم كان تمثيلكم من ضمن وفد الائتلاف على اعتبار أنكم أحد الأطراف التي شكلت الائتلاف؟

إعلان دمشق الذي تأسس في 2005، وعقد مؤتمره التأسيس في 2007، دخل المجلس الوطني بزخم بداية التشكيل، وعند الانتقال إلى تشكل الائتلاف، لم ينتقل إعلان دمشق بمكوناته التي كانت في المجلس الوطني إلى الائتلاف كما كانت عليه.

خلال صيرورة العمل بالثورة، تبين أن هنالك تباينات بين ممثلي إعلان دمشق، وبرز الخلاف بشكل واضح في مؤتمر بروكسل 2013، وزادت التباينات في مؤتمر استانبول 2014، بينما لم يعقد الإعلان مؤتمراً جامعاً منذ مؤتمر التأسيس.

إذا، غياب المؤتمرات طيلة هذه الفترة زاد من التباينات. نحن نتحدث عن شعارات رفعت في 2007، أي نتحدث عن مرحلة زمنية كانت مختلفة كلياً، هذا كان بالرغم من المحاولات لعقد مؤتمر جامع، لكننا لم ننجح في ذلك إلا منذ فترة قريبة سابقة في عنتاب، ويعزا ذلك إلى الإمساك بالقرار من قبل بعض أعضاء الإعلان.

– الدكتور محمود حمزة، وهو أحد الشخصيات البارزة في إعلان دمشق صرح لـ “صدى الشام” سابقاً عن سرقة لقرار إعلان دمشق، وقال أيضاً “لا نتمتع بالحرية ضمن الاعلان”. ما هو تعليقكم على هذا؟

نعم هذا صحيح، كان القرار يتخذ من قبل هيئة الرئاسة. عموماً، مع موافقتي على حديث حمزة، رغم انتقائي لألفاظ أشد وقعاً، اعتقد أن الدكتور حمزة لم يخون أعضاء الإعلان في حواركم معه وقتها.

إيليا: إعلان دمشق ليس تنظيماً حزبياً، إنما هو تنظيم يجمع مكونات الشعب السوري ويجمع قوى سياسية وشخصيات مستقلة قد يكون لها رؤى مختلفة

إعلان دمشق ليس تنظيماً حزبياً، إنما هو تنظيم يجمع مكونات الشعب السوري ويجمع قوى سياسية وشخصيات مستقلة قد يكون لها رؤى مختلفة، وعلينا أن نبحث عن مساحة المشتركات بين هذه المكونات، وهذا ما لم يفعله من كان ممسكاً بقرار الإعلان، ولهذا ظهر الاختلاف.

أنس العبدة يختلف عن سمير نشار، على الرغم من دخولهم إلى المجلس الوطني ومن ثم الائتلاف بصفة الممثل للإعلان. وكذلك رياض سيف، وهو أحد المؤسسين للإعلان، ترك الإعلان ودخل إلى المجلس الوطني، ولديه حنين إلى إعلان دمشق، لكنه ليس صاحب قرار فيه، وهو شخصية مستقلة وطنية.

وعليه أقول إن إعلان دمشق الذي تأسس في العام 2007 تفكك، ولم يبق منه إلا القلة القليلة، ولذلك جاء المؤتمر لإيجاد حل ولإنعاش هذا الجسد. في 2007 اتفق على شعار “التغير الوطني الديمقراطي السلمي التدرجي”، والآن أين نحن من هذه الشعارات التي لم تعد متوافقة مع حاضرنا؟

– بالعودة إلى سؤالنا السابق هل تم تمثيلكم في مؤتمر الرياض؟

بقي إعلان دمشق بصيغته الرسمية ممثلاً بسمير نشار الوحيد والمنفرد، الذي أعطى لنفسه حق التمثيل، بينما لا يقف أحد وراء نشار.

– قد يقبل القارئ حديثك هذا قبل انعقاد المؤتمر الأخير، لكن الآن وبعد انعقاد المؤتمر وتوليكم أنتم رئاسة الأمانة العامة لإعلان دمشق، فلا أعتقد أن أحدا سيوافقكم على هذا، لماذا لا تمارسون صلاحياتكم إذن؟

نحن نسير بهذا الخط، ولا نطلب من الائتلاف أن يصبغ علينا الشرعية. الائتلاف معروف أنه شُكل خارج الإرادة السياسية، وقلت قبل قليل أنه يجب علينا أن نشكر المشاركين لما وصلوا إليه في مؤتمر الرياض، وهذا بغض النظر عن الأسماء. وهنا أقول: إن عاد سمير نشار واعترف بالخطأ، فليس بالضرورة أن يكون فؤاد إيليا بديلاً عنه.

بالتالي الإعلان لم يكن ممثلاً، لأن الإعلان بشعاره الجديد لم يكن ممثلا بسمير نشار.

إيليا: ليس هدفنا الوصول إلى جسد يستطيع من شَكَّله أن يلغيه، هدفنا تمثيل الشعب السوري، وأحد هواجسي أن يكون مؤتمر الرياض بمثابة إلغاء لجسد الائتلاف.

– بعيداً عن مؤتمر الرياض والائتلاف أيضاً، بعد انتخابكم لرئاسة الأمانة العامة لإعلان دمشق، ماهي أجنداتكم في المرحلة القادمة؟

لم يمارس الإعلان الدور المناط به، وذلك سبب انكفاء الإعلان لفترة ما، الكثير من كوادر الإعلان كانت قد تعرضت للاعتقال بعد 2007، وهنالك أشخاص تركوا الإعلان، وأولهم رياض سيف، وله مبررات، ومنهم وليد البني وياسر العيطي، أما غسان نجار فهو الوحيد الذي غرد خارج السرب.

وإجابة على سؤالك عن أجندات المرحلة القادمة، نحاول بعد المؤتمر العام الثاني العمل على استعادة القرار الوطني، والعمل على توسيع نشاط الإعلان والذهاب إلى الآخرين وليس دعوتهم، بهدف توحيد عمل المعارضة، فضلاً عن إنعاش جسد الإعلان، وإلغاء المحاصصة الحزبية.

– بالحديث عن المؤتمرات، ما رأيكم في عمل مجموعة “قرطبة”، والجمعية الوطنية السورية التي ترعى عقد اجتماعات منفردة لمكونات الشعب السوري؟

نحن في الإعلان نميل إلى أن تجتمع مكونات الشعب السوري مع بعضها في بوتقة وطنية، لا أن تعقد مؤتمراتها الخاصة لتطرح رؤيتها، ومن ثم يتم العمل على تجميع هذه المكونات.

– الجمعية الوطنية تسمي الأمور بمسمياتها، اليوم لا أحد يستطيع إنكار انقسام الشعب السوري؟

من يقوم بهذا العمل يرى أن هذا الأسلوب هو أسلوب صحيح. التجربة تثبت صحته من عدمها. وبالتالي إن نجحت مجموعة عمل قرطبة في هذا الأمر فهي ناجحة.

إيليا: آلية عمل مجموعة قرطبة هي طريقة لتفريق الشعب السوري، حيث لا يستطيع أحد تقسيم الشعب السوري على اساس الانتماء القومي أو الطائفي.

وفق منظوري، هذه الطريقة هي طريقة لتفريق الشعب السوري، فالشعب السوري قد يكون مختلفا في رؤيته للقضايا القومية، لكن لا نستطيع تقسيم الشعب السوري على اساس الانتماء القومي أو الطائفي.

– ما هي رؤية فؤاد إيليا للمرحلة القادمة؟

النظام جاء بتوافق دولي في العام 1970 بين قطبي العالم حينها؛ الاتحاد السوفياتي والأمريكان، ليكون نظاماً وظيفياً له مهام محددة ستتكشف في الوقت القريب، وبقي رأس النظام حافظ الأسد يلعب على التناقضات في المجتمع الدولي. لا نستطيع نسيان المباركة الدولية والصمت حيال قمع تمرد الطليعة المقاتلة في حماة عام 1980. استمر هذا إلى العام 2000، الذي شهد توريث السلطة للابن بمباركة من المجتمع الدولي أيضاً. لكن اليوم العالم تغير.

وقد ظهر هذا التغير جلياً بعد مقتل الحريري في 2005، بما يمثله الحريري من مشروع نهضوي، لأن الولايات المتحدة التي تحكم العالم الآن، تنبهت إلى خطورة هذا النظام الذي اعتبر نفسه الوكيل الحصري على المنطقة. والآن وفق تقديري، فإن هذا المجتمع الدولي ألغى هذه الوكالة، وجاءت الثورة السورية لتكشف أن هذا النظام لا يليق بالشعب السوري. وعليه، لا بد أن يفكر المجتمع الدولي ببديل لهذا النظام الذي جاء به هو، ومؤتمر الرياض حالياً أظهر للجميع بداية توافق دولي على ذلك.

التعليقات

//