رؤية سورية – العدد 27
سلام ابو شالة
من منّا لا يعرف سهل الزبداني الأخضر؟ ومن لم يذق طعم فاكهته من سوريين وعرب وأجانب؟. أرض الماء والزراعة الأولى تموت اليوم.. جوعاً وعطشاً في ظل حصار خانق لا يرحم؛ يقوم به منذ أكثر من عام نظام الأسد ومليشيات حزب الله اللبناني الداعمة له. تخلل هذا الحصار المطبق عدد لا يحصى من الهدن لم تر النور، وآخر ما يلوح في الأفق اليوم عبر تسوية تقوم بها روسيا، بعد فشل التسوية الإيرانية أخيراً، لكن حتى اللحظة لا شيء جديد.
قسمت قوات الأسد وحزب الله اللبناني المدعوم من إيران السهل إلى قسمين: قسم تابع للزبداني؛ والآخر.. لمضايا، بعد أن عمدوا أولاً إلى تصحير السهل بمنع الأهالي من الذهاب إلى أراضيهم والإعتناء بها، لجأوا ثانياً إلى قطع الأشجار المحيطة بأماكن تمركزهم بحجّة تسلل الثوار إليهم.. ومن ثم بدأ حزب الله بقطع الأشجار في عملية ممنهجة وبيعها حطباً إلى البلدات اللبنانية الشيعية المتاخمة لحدود الزبداني مع لبنان مث:ل النبي شيت – معربون – بريتال. وباعوا الطن الواحد ب 1000 $ و كانت كلها أشجاراً مثمرة. وتمّت سرقة البيوت والفيلات في السهل وتفجيرها بحجّة أنها تأوي مسلحين.. كما وفجروا الغرف الزراعية لآبار المياه بعد أن سرقوا مضخاتها. أما البساتين التي تقع داخل البلدة فقد قطعها الأهالي من أجل التدفئة؛ فالبرد قارس ويتساقط الثلج إذ تبلغ درجات الحرارة 10 درجات تحت الصفر ويتجمد الماء وكل شيء حي.
يقول حسام مضايا عضو المجلس المحلي عن الوضع الإنساني في البلدة: – تأوي مضايا منذ أول الثورة عدداً لا بأس به من العائلات الدمشقية وقد قضى بعضٌ منهم أثناء قصف قوات الأسد للمساجد بعد خروج المصلين منها. لكن الوضع يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، وخاصة عملية التهجير المستمرة لأهالي الزبداني النازحين إلى بلودان والإنشاءات والمعمورة والجرجاجية و وادي إلياس و وادي غزال حتى باتجاه الشلاح والزلاح وطريق سرغايا.. وأصبح عدد سكان بلدتي مضايا وبقين المحاصرتين ما يزيد عن 30000 نسمة؛ حيث تحولت مضايا إلى سجن ومنفى كبيرين. وقد بلغ عدد العائلات الزبدانية المبعدة إلى مضايا 1200 عائلة. والمشكلة بأنه لا يسمح للعائلات من أن تأخذ شيئاً معها غير اللباس الذي يرتدونه.. ويتابع حسام: كانت العائلات أول الأمر تسكن عند الأقارب ومن وجد منهم مأوى.. عانى من البرد الشديد؛ لإفتقار البيوت إلى النوافذ والأبواب التي خلّعت بفعل القصف المستمر و لفقدان الزجاج والنايلون.
أما عن الوضع الإنساني داخل البلدة، فالجوع مُتفشٍ تماماً؛ ومنظر طفل وبيده جوزة يأكلها.. منظر غريب؛ وبعض العائلات طبخت حبات فاكهة الخرمة؛ والبعض.. أكل القطط، والبعض أيضاً شرب حساء الماء والملح فقط، وأخيرا.. باتواً يسلقون ورق التوت من الجوع. وقد توفي 3 أطفال من الجوع ومن نقص الدواء ومن البرد. فمادة الطحين مفقودة نهائياً.
يروي حسام قصة مؤثرة عن ابنة أخته التي خبأت رغيف الخبز لتأكل منه كل يوم قضمة. حيث بلغ ثمن كيلو الأرز 35 $ والسكر والبرغل 30$ و يتم إدخاله إلى البلدة عن طريق حزب الله الذي يبيع هذه المواد بأثمان غالية جدا؛ً فيتاجر أيضاً.. بلقمة عيش السوريين بعد أن تاجر بدمائهم؛ وعند إدخال المعونات عن طريق الأمم المتحدة كان من بينها البسكويت الفاسد الذي أدى لتسمّم الأطفال. وعن الطاقة.. فالكهرباء مقطوعة منذ أكثر من 150 يوم.. والوقود غالٍ جد؛اً حيث يتم شحن الموبايلات واستعمال الإنارة عن طريق مولدات كهربائية وثمن ليتر المازوت 4 $ أما ليتر البنزين فبلغ 16$ إن وجد.
وعن الوضع الصحي.. فقد تفشّى مرض اليرقان بين الأطفال نتيجة لسوء التغذية والتلوث؛ وأصيب عدد منهم وتمّ شفائهم عن طريق العزل فقط.. لفقدان الأدوية، ولا توجد في البلدة سوى قابلة واحدة ويطلق عليها اسم دايه وهي امرأة مُسنة تقوم بتوليد النساء ومن تعثرت منهن تأخذ إلى المشفى الميداني وتجرى لها قيصرية على يد طبيبين لا ثالث غيرهما؛ يعالجان الناس بكافة الاختصاصات؛ على مبدأ الحاجة أم الاختراع لنقص الكادر الطبي والضغط المتواصل جراء الإصابات والجرحى.. وقد تم بتر ساق لشابين جراء انفجار لغم بهما مؤخراً، بعد أن قلّصت قوات الأسد الحواجز المحيطة بالبلدة وفخختها بالألغام.. وقبل هذه الحادثة قتلت قوات الأسد الشابين وهما: غياث عيسى وأسعد عبد الوهاب؛ وتحفظ حزب الله على جثتيهما، وتم اعتقال ثلاثة شباب كانوا يحاولون فك الحصار بتاريخ 23/ 11. وقتلوا أيضاً ثلاثة شباب وهم يحاولون فك الحصار وجلب الطعام وهم: جهاد الشيخ علي و وائل محمود وشاب من آل جديد.. بتاريخ 7 – 12 – 2015.
أما عن الوضع الميداني فالبلدة محاصرة وجميع الطرق والأزقة المؤدية إليها مُفخخة بالألغام، ولا يوجد داخل مضايا أسلحة ثقيلة كما يدّعي نظام الأسد ولا إرهابيين ولا دواعش.. إنما بعض من أهالي البلدة وبأسلحتهم الفردية البسيطة التي كانت بحوذتهم قبل الثورة، وعلى الرغم من هذا فقد صدّوا عدة محاولات تسلل قام بها حزب الله وقوات نظام الأسد للدخول إلى البلدة وكلها باءت بالفشل.
وما بين الموت من طلقة رصاص إثر قناص أسدي، أو الموت أشلاء جراء قذيفة مدرعة، وما بيت الموت جوعاً أو تجمداً، يبقى الموت.. سيد الموقف إلى أجل غير مسمى.