سوريتنا | العدد 233 | 06 آذار 2016
حلب وإدلب – عثمان الإدلبي
حماه وحمص – إياد العمر
درعا والقنيطرة – طارق أمين
لم يعد غريباً على السوريين في المناطق التي تخضع لقصف يومي، وتدور فيها المعارك، أن يتم توقيع هدنة وقف إطلاق النار، وتسجَّل فيها الخروقات واحدة تلو الأخرى، بل ينظر البعض للهدنة على أنها مجرد أنباء تتداولها الطبقات السياسية، وتقوم فيما بعد بتسجيل الانتهاكات تلو الأخرى لتعلن فيما بعد فشلها، إلا أن الهدنة الأخيرة كان لها وقع مختلف قبل البدء بتطبيقها كونها جاءت بعد أخذٍ وردِّ جميع الدول الفاعلة في الشأن السوري، وبعد قبول الكثير من الفصائل المعارضة تمثيل نفسها من خلال الهيئة العليا للتفاوض التي شكِّلت في مؤتمر الرياض قبل أشهر، وتفاءل البعض بها، لتأتي الهدنة بآثار إيجابية في بعض المناطق، فيما ارتفعت معها معدلات القصف والمعارك في مناطق أخرى، خاصة أنها حملت معها استثناءات فضفاضة وضبابية، يمكن للنظام السوري وحلفائه توسيع نطاق المعارك والقصف من خلالها، كاستثناء داريا في ريف دمشق، واستثناء ما سمِّي بالمجموعات الإرهابية، وهو ما يفتح المجال أمام النظام وطيران روسيا بتبرير قصف أي منطقة بأنها تضم مجموعات إرهابية لا تشملها هدنة وقف إطلاق النار تلك.
أكثر من عشرة ايام مضت على توقيع الهدنة، والبدء بتطبيقها، فأين طبِّقت وفي أي الأماكن لم تطبق؟ وكيف كان أثرها على مختلف المناطق السورية التي هي أحوج ما تكون لهدنة تتيح للسكان التقاط أنفاسهم بعد سنوات من المعاناة اليومية، والحصار؟؟.
بين التطبيق والانتهاك في ريفي حمص وحماه
مع دخول وقف إطلاق النار بين فصائل المعارضة وقوات النظام يومه الخامس على التوالي، بدأت تظهر بشكل واضح الخروقات، ولم تعد مجرد اتهامات تتقاذفها الفصائل المتقاتلة، فيما تبدَّى أيضاً حضور الهدنة بشكل واضح في مناطق أخرى، كان نصيبها من الهدنة أفضل من غيرها.
يقول علي الحموي ناشط إعلامي من ريف حماه يعمل على توثيق أماكن خرق الهدنة: «إن بلدة اللطامنة في ريف حماة الشمالي شهدت هدوءاً كاملاً مع دخول الهدنة أول أيامها، حيث لم يوثق فيها استهداف البلدة بأي غارة جوية أو قذيفة مدفعية على البلدة، في حين فتح عناصر الدفاع المدني الطرقات وبدؤوا تنظيفها من مخلفات القصف، مستغلين الهدوء فيها وسريان الهدنة، إذ كانت توثَّق عشرات الغارات بشكل يومي على البلدة تزامناً مع اشتباكات مستمرة بين المعارضة والنظام جنوبها».
قرية “حر بنفسه” في ريف حماة الجنوبي كانت المثال الأوضح على خرق الهدنة من قبل قوات النظام، ففي أول أيام الهدنة تعرضت البلدة لهجوم ناري عنيف حاولت من خلاله قوت النظام السيطرة على البلدة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينها وبين فصائل المعارضة أسفرت عن مقتل 15 عنصراً من مقاتلي المعارضة وجرح آخرين في حين قتل وجرح عدد غير معروف من قوات النظام، دون أن تحرز الأخيرة أي تقدم باتجاه القرية.
وأوضح الحموي أن الاشتباكات «تزامنت مع أكثر من 70 غارة جوية شنها الطيران الحربي الروسي والنظامي على القرية رغم سريان الهدنة”، وأسفرت عن دمار كبير في البنية التحتية للقرية، ما دفع فصائل المعارضة إلى الرد على قوات النظام بقصفها لقوات النظام المتمركزة في المحطة الحرارية بقرية الزّارة بعدد من صواريخ الغراد، أسفرت عن مقتل عدد منهم ودمار جزئي في أبنية المحطة، وجميع تلك المعارك موثقة بمقاطع فيديو»، على حد تعبيره.
وأضاف المصدر أن قوات النظام خرقت الهدنة أيضاً في منطقة سهل الغاب بريف حماة الغربي نتيجة استهداف قواتها المتمركزة في معسكر جورين، وقرى قليدين، والزقوم، والعنكاوي، بصواريخ من طراز غراد، لكن أضرارها اقتصرت على المادية فقط، في حين ردّت فصائل المعارضة بقصفها للمعسكر بعدد من صواريخ غراد أيضاً.
من جانبه، بيّن القيادي العسكري في حركة أحرار الشام الإسلامية أبو الخطاب الحموي لـــــ سوريتنا أن فصائل المعارضة «ملتزمة بالهدنة بشكل كامل، وهي الآن في موقع الدفاع عن النفس، وستستمر عناصر الفصائل باستهداف تجمعات قوات النظام في عموم مناطق ريف حماة ما دامت الأخيرة تخرق الهدنة، وتستهدف مواقعنا، وتحاول التقدّم والسيطرة على المناطق»، مشيراً إلى أن جميع المناطق التي خُرِقت فيها الهدنة لا يوجد فيها سوى عناصر من الجيش الحر وحركة أحرار الشام الإسلامية، بحسب وصفه.
في مدينة حمص لم يكن الأمر مختلفاً كثيراً فقد استهدفت قوات النظام بالمدفعية الثقيلة مدينة تلبيسة الخاضعة لسيطرة المعارضة في ريف حمص الشمالي، ما أسفر عن سقوط عشرة جرحى مدنيين ودمار كبير بالأبنية والممتلكات، كما استهدفت أيضاً بقذائف الهاون مدينة الرستن، في حين استهدف الطيران الحربي الروسي قرية تيرمعلة، اقتصرت أضرارها على المادية فقط.
وأشار الناشط الإعلامي بلال الحمصي إلى أن منطقة الحولة في ريف حمص والتي تحوي على أكثر من 70 ألف نسمة شهدت هدوءاً تاماً بعد سريان وقف إطلاق النار في سوريا، ما أعاد بعض الحياة إلى المدنيين في المنطقة متأملين استمرارها مدة أطول وإيجاد حل للنزاعات وإنهاء الأعمال العدائية في سوريا.
غياب شبه تام للهدنة عن إدلب
غابت ملامح الهدنة عن غالبية مناطق محافظة إدلب، أو ربما لم يتغير شيء على سكان هذه المحافظة؛ فبعد الخرق الأول للهدنة في أول أيامها، عاد القصف ليأخذ مسمياته السابقة كالقتل والمجازر، ومنذ الساعات الأولى لسريان الهدنة سجِّل أول خرق لها في هذه المحافظة، عندما قصف النظام قرى الناجية والكندة في ريف جسر الشغور الغربي بالبراميل المتفجرة، وتم توثيق هذا الخرق بمقاطع الفيديو من قبل تنسيقية جسر الشغور.
خروقات النظام وحليفه الروسي للهدنة وصلت لحد ارتكاب المجازر، تحدَّث عنها أبو البراء الإدلبي المشرف على مركز إدلب الإعلامي لــــــ سوريتنا: «في ظهر يوم الثلاثاء الماضي استهدفت قرية الزعينية في ريف جسر الشغور بصاروخ بالستي، أدى إلى استشهاد 6 مدنيين، وإصابة 10 آخرين»، وأضاف الإدلبي «بعد هذه المجزرة شهدت القرية والمناطق المحيطة بها حركة نزوح كبيرة باتجاه الحدود التركية وإلى القرى المجاورة».
طوال الأسبوع الماضي لم يتوقف النظام عن قصف معظم قرى ومناطق ريف جسر الشغور الغربي والمحاذية لجبل الأكراد والتركمان، هذا ما أكده طارق عبد الحق مدير تنسيقية جسر الشغور، وقال «يوم الأربعاء الماضي استهدف النظام بالصواريخ قرية بداما ومشروع الفلل، وفي اليوم الذي سبقه استهدف قرية مرعند غرب جسر الشغور البراميل المتفجرة».
وبعيداً عن جسر الشغور وريفها، تم رصد 4 خروقات في مناطق مختلفة في إدلب وفقاً لمعلومات متقاطعة وردت لــــــ سوريتنا من مركز إدلب الإعلامي وتنسيقية جسر الشغور وعدد من الناشطين، وقد تمثلت هذه الخروقات في قصف صاروخي على قريتي سكيك وترعى في ريف إدلب الجنوبي، وغارة جوية على بلدة التمانعة في ريف إدلب الجنوبي، واستهداف قرية المسطومة بصواريخ أرض أرض، وغارة جوية روسية على أطراف قرية خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي.
قوات سوريا الديمقراطية تخرق الهدنة في حلب، وتحاول حصار المدينة
رغم خرق النظام وحليفه الروسي للهدنة منذ ساعاتها الأولى حينما استهدف الطيران الروسي بلدة بانص جنوب حلب، إلا أن هذه المحافظة كان تعتبر من أكثر المحافظات السورية التزاماً بالهدنة، ولكن ذلك لم يدم أكثر من يومين؛ إذ تم خرق الهدنة بشكل واضح من قبل قوات سوريا الديمقراطية التي شنت هجوماً على مواقع لقوات المعارضة في منطقة السكن الشبابي وحي الأشرفية شمال حلب والمطلين على طريق الكاستيلو.
وأكدت مصادر من مركز حلب الإعلامي لــــ سوريتنا أن قوات سوريا الديمقراطية خرقت الهدنة بشكل واضح مبينةً أن القوات «تحاول السيطرة على طريق الكاستيلو المنفذ الوحيد الذي يصل مدينة حلب بريفها الشمالي والغربي الخاضعين لسيطرة الجيش الحر، وقد تمكن الأخير من صد الهجوم، كما تزامن هجوم مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية مع قصف روسي على الأحياء المحيطة بالطريق وهي أحياء الهلك والحيدرية».
وقال الإعلامي عز الدين الحلبي: «سيطر مقاتلون أكراد على تلة مطلة على طريق الكاستيلو بعد عملية تسلل من حي الشيخ مقصود، وتمكنوا من قطع الطريق كونهم يستهدفون بالقناصة جميع السيارات التي تمر من عليه».
لم يدم التزام النظام بالهدنة في حلب أكثر من يوم واحد، ففي يوم الأحد ثاني أيام الهدنة أغارت طائراته الحربية على مدينة دارة عزة الخاضعة لسيطرة الثوار، وفي اليوم ذاته شنَّ هجوماً عنيفا على قرية “كفر بيش” في ريف حلب الجنوبي ودارت اشتباكات عنيفة، دون أن يحرز النظام أي تقدم.
مدفعية النظام تستهدف حلب المدينة
وفي حلب المدينة، استهدف النظام بالمدفعية الثقيلة عدة أحياء في يوم الاثنين ثالث أيام الهدنة، وأفاد مركز حلب الإعلامي «تعرُّض حي الميسر لقصف بالقذائف المدفعية ظهر يوم الاثنين، وفي اليوم ذاته استهدف حي الصاخور بالمدفعية أيضاً، كما شن النظام هجوماً على مواقع للثوار في حي سلميان الحلبي محاولاً السيطرة على مبنى الإطفائية».
يقول أحمد عنصر في الدفاع المدني في حلب: «لم نشعر بالهدنة، فمنذ اليوم الأول توجهنا إلى ريف حلب الجنوبي، أيُّ هدنة والمدنيون يُقنَصون من قبل قوات سوريا الديمقراطية على طريق الكاستيلو، ومدفعية النظام تستهدف يومياً أحياء حلب؟!».
في درعا خروقات النظام للهدنة يقابلها ضبط النفس من قبل المعارضة
طالت الخروقات منذ أول يوم للهدنه بعض مدن وبلدات محافظة درعا، حيث سجل ناشطون خرق النظام الأول للهدنة في المحافظة في بلدة اليادودة التي تعرضت لوابل من رشاشات الشيلكا بعد أول يوم من إعلان وقف إطلاق النار في سوريا، كما تعرضت مدينة درعا البلد وبصرى الشام لعدد من الخروقات أودت بحياة عدد من المدنيين.
وأفاد أبو محمد الأخطبوط نائب قائد فرقة “فجر التوحيد” التابعة للجبهة الجنوبية سوريتَنا، بأن الخروقات بدأت منذ صباح أول يوم للهدنة، حيث استهدفت قوات النظام بلدة اليادودة بدرعا برشاشات الشيلكا، ما أدى إلى مقتل شخص، كما استهدفت قوات النظام بلدة خان الشيح فقتلت شخصين، مبيناً أن الإحصاءات الأولية سجلت 79 خرقاً للهدنة في درعا والقنيطرة، ومقتل 13 مدنياً، ما يوضِّح عدم التزام النظام الكامل بالهدنة والاستمرار في خرقها منذ صباح إعلانها.
في مدينة درعا البلد أوضح الناشط براء العمر أن أحياء مدينة درعا شهدت خروقات مستمرة للهدنة، حيث تعرضت المدينة للقصف بمدافع الهاون والرشاشات أسف عن إصابة عدد من المدنيين معظم إصاباتهم خطيرة، بحسب قوله، وعلى خط مواز يقول العمر: «إن عناصر النظام على جبهة مخيم درعا استمرت بإطلاق النار من القناصات، وخاصة من جهة ما يعرف بحاجز المحكمة، مما أدى إلى مقتل شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة إثر إصابته برصاص قناص، كما شوهِد تحليق للطيران الحربي في سماء المنطقة دون تسجيل أي استهداف له».
بدوره يقول الناشط أبو إلياس البلد: «وصل عدد الضحايا المدنيين جراء خروقات النظام المستمرة في مدينة درعا وأحيائها إلى ما يزيد عن 20 إصابة خطرة، ولقي 6 أشخاص حتفهم نتيجة استهداف النظام للمدينة وبشكل شبه مستمر بمدافع الهاون والرشاشات الثقيلة والقناصات».
وفي مدينة بصرى الشام يوضح أبو محمد أحد سكان المدينة أن النظام عبر قِطَعِه العسكرية في السويداء استهدف المدينة بعدد من قذائف المدفعية في أول يوم من صباح إعلان وقف إطلاق النار في سوريا، واقتصرت الأضرار على الماديات دون أن تسجل أية إصابة بشرية.
الطيران الروسي يلتزم الهدنة في درعا
صرح الدكتور يعقوب العمار رئيس مجلس محافظة درعا الحرة لــــ سوريتنا أن «حال محافظة درعا كحال أي منطقة في سوريا شهدت خروقات لعمليات وقف إطلاق النار، فخلال الأيام الماضية شهدت مناطق المليحة الشرقية واليادودة وبصرى الشام وأحياء مدينة درعا البلد عمليات قصف وقنص أدت إلى وقوع إصابات بين صفوف المدنيين»، مضيفاً أن «عمليات وقف إطلاق النار مطبقة بشكل جيد إلى حد ما من قبل الطيران الروسي، حيث شهدت المنطقة تحليقاً للطيران دون استهداف أي منطقة حتى الآن».
وأشار العمار إلى التزام فصائل الجيش الحر بالهدنة «ما دام النظام ملتزماً بذلك، وأي تصعيد عسكري للنظام سيقوم الجيش الحر بالرد عليه بشكل مباشر»، وهذا الكلام أكده قادة الفصائل العسكرية له في إحدى الاجتماعات على حد قوله.
وفي محافظة القنيطرة أفاد الناشط أبو عمر الجولاني أن الخروقات شملت بلدات عدة منها بلدة مسحرة التي شهدت قصفاً بقذائف الهاون والرشاشات المتوسطة، وبلدة الحميدية التي تعرضت لرشقات مكثفة بالأسلحة المتوسطة والثقيلة دون تسجيل أية إصابة بين صفوف المدنيين.