كلنا سوريون – العدد 37 – 28/9/2015
عبدالله منديل
يتبادل المسؤولون الروس الأدوار في تغيير تصريحاتهم حول تفاصيل موقفهم السياسيّ من نظام الأسد، فيصرّح «سيرغي لافروف » وزير الخارجيّة بأنّ وجود بشّار جزء من المرحلة الانتقاليّة، فيما يقول «فلاديمير بوتين » رئيس الاتّحاد إنّ مسألة الحفاظ على مؤسّسات الدولة السوريّة هو الأساس وليس رأس النظام!
وبالطريقة ذاتها يراوغون حول تسليحهم لقوّات الأسد، فتارة تخرج تصريحات تنفي أيّة عقود جديدة لمدّ النظام بأسلحة، وأنّ ما ترسله روسيا هو مساعدات إنسانيّة، وأخرى تتحدّث عن دفعة طائرات جديدة، أو قطع تبديل للمروحيّات، أو إبدال صواريخ دفاع جوّي متطوّرة بذخائر وأسلحة أخرى لدعم النظام في حربه ضدّ الإرهاب!
من جهته يتخبّط نظام الأسد في إعلان تبريراته، ما بين طلبه للمساعدة من الروس أو نفي ذلك. لكنّ تقارير الاستخبارات في العالم التي تدعمها معلومات الأقمار الاصطناعيّة بالصور حسمت الأمر، بوجود القوّات الروسيّة فعليّاً على الأراضي السوريّة، وليس فقط في قاعدة طرطوس، بل في مطار حميميم العسكريّ جنوب اللاذقيّة الذي يتمّ تحويله إلى قاعدة عسكريّة لهم، بعد أن كان مجرّد محطّة لاستلام ما تحمل الطائرات الروسيّة وتوزيعه.
وذكرت تقارير أمريكيّة أنّ ثلاث طائرات شحن روسيّة عملاقة هبطت فيه خلال الأيّام الأخيرة.
بعد كلّ ذلك يخرج عمران الزعبي وزير إعلام الأسد على قناة ميليشيا حزب الله اللبنانيّ نافياً الوجود العسكريّ الروسيّ في سورية، مُرجعاً هذه «الادّعاءات » إلى أنّ المخابرات الغربيّة تشيع ذلك بهدف الإيحاء بأنّ جيش الأسد بحاجة إلى دعم، وبالتالي على الدول المعادية للنظام أن تزيد الدعم لقوّات المعارضة. فيما لم يعد للنظام السوريّ قرار سياسيّ أو عسكريّ فعّال في ظلّ هيمنة الإيرانيّين على مختلف أوجه الحياة في سوريّة، حتّى فيما يتصل بالمفاوضات المباشرة مع الفصائل العسكريّة المعارضة.
وبينما يؤكّد «لافروف » وزير خارجيّة روسيا بأنّ بلاده أرسلت إمدادات عسكريّة إلى نظام الأسد قائلاً: «إنّ موسكو لم تخفِ أبداً أنّها تسلّم معدّات عسكريّة إلى السلطات السوريّة الرسميّة بهدف محاربة الإرهاب .»
أصبح من الملاحظ منذ بداية آب المنصرم الإشراف الكامل للروس على قوّات النظام في جورين في سهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربيّ، منذ تقدّم قوّات المعارضة نحو جبال اللاذقيّة. وبثّت مواقع إلكترونيّة شريطاً مصوّراً يُظهر جنوداً روساً يقومون بتدريبات عسكريّة في القاعدة الروسيّة المعروفة قرب مدينة طرطوس. كما أعلنت القيادة الروسيّة رسميّاً عن مناورات لقوّاتها خلال الأسابيع القليلة القادمة، ستجري في مياه المتوسّط قبالة ميناء طرطوس وجزيرة قبرص!
فهل يتوقّع الروس انهياراً سريعاً للنظام يضيّع عليهم حصّتهم، أو يخرجهم من اللعبة بعد أن امتدّت إيران في المنطقة إثر تمرير اتفاقيتها النوويّة مع الولايات المتّحدة؟ أم لأنّ الإيرانييّن أنفسهم لم يعودوا قادرين على تأمين بقاء النظام رغم تدخّلهم المتزايد دعماً لميليشياتهم والميليشيّات اللبنانيّة وغيرها في عدّة جبهات، منها الزبداني التي تشير بوضوح إلى عجز في كلّ القوّات المهاجمة لها، إضافة إلى اندحار النظام من عدّة مطارات لطالما كانت منبعاً لبطشه وإعلاناً عن وجوده؟
في كلّ الأحوال يبدو أنّ مقترحات «ستافان ديميستورا » لا تلقى اهتماماً روسيّاً فعليّاً، ومسلسل محادثات موسكو ليس إلّ نشاطاً جانبيّاً لدبلوماسيّتها المتذبذبة، لذلك يبقى إظهار وجودها العسكريّ ممرّاً إجباريّاً وشرّاً لا بدّ منه بالنسبة لها، لأنّ الهزيمة الأفغانيّة كانت درساً تاريخيّاً للروس لن يستطيع «بوتين »جعل الشعب الروسيّ ينساها، ناهيك عن المشاكل الاقتصاديّة الداخليّة الناتجة عن الانخفاض العالميّ لأسعار النفط، والتوتر المستمرّ على الجهة الأوكرانيّة. فهل ستتورّط موسكو فيما أسمته الولايات المتّحدة «مكافحة الإرهاب » بأن تشنّ غارات جويّة على الشعب السوريّ وتنشر قوّاتها إلى جانب الميليشيّات المساندة للنظام؟؟