سوريتنا – العدد 225

سامي ورد – صحفي سوري

تحفر عميقاً في الذاكرة والضمير مشاهدُ أطفال مضايا الجائعين الذين يقسمون أغلظ الأيمان أنهم لم يتناولوا وجبة طعام منذ عدة أيام، أحدهم يستحيي من التحدث عن جوعه أمام الكاميرا في وقت لا يستحيي محاصره من قتل طفولته جوعاً، ولا يستحيي دي ميستورا ولا بان كي مون ولا المجتمع الدولي من ادعاء الإنسانية والضمير. كيف يستسيغ السوري الحر طعامه وهو ينظر إلى أبناء جلدته يبادون جوعاً على مرأى من العالم، لم يشبع السوري الحر إلا من وجبات يومية من القهر والخذلان والشعور بالعجز أمام أطفال ونساء جوعى لا يجدون ما يسدون به رمقهم سوى الأعشاب وأوراق الشجر.

معاناة السوريين تسهم من جديد في كشف زيف قيم الإنسانية التي يدعيها المجتمع الدولي ومن خلفه الأمم المتحدة وتثبت عدالة الثورة ووحشية النظام وحلفائه وضرورة استئصاله من جذوره.

ليست مضايا أول بلدة سورية تحاصر ولن تكون الأخيرة فيما يبدو، ولن يختلف موقف المجتمع الدولي والأمم المتحدة من حصار مضايا عن موقفه من حصار الغوطة وحمص القديمة والوعر وغيرها، وستدخل كغيرها في سوق المساومات السياسية إقليمياً وربما دولياً.

كما في المرَّات السابقة يشارك “محور المقاومة” بدوله وميليشياته بكل ما لديه من وحشية ولاإنسانية في تجويع أطفال مضايا ونسائها بدعوى محاربة الإرهاب، وإلى جانبه يشارك جمهور “المقاومة والممانعة” –لا سيما اللبنانيين – في حملة تضامنية ليس مع الضعفاء والجوعى المحاصرين، ولكن مع عناصر ميليشيا حزب الله الذين يفرضون طوقاً من الحواجز والألغام على محيط البلدة الصغيرة.

فمع انتشار أخبار الجوع وصوره القادمة من مضايا وانطلاق حملات التضامن من السوريين وغيرهم في دول العالم، عبّر جمهور “المقاومة” عن تضامنه بطريقته الخاصة التي تمليها عليه أخلاق “مقاومته” وأطلق أفراده وسماً على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان” متضامن مع حصار مضايا” ونشروا عليه صوراً لأشكال وألوان مختلفة من الطعام، في خطوة لا تخلو من التشفي وانعدام الضمير والحسِّ الإنساني.

هذا التعاطي المتطرف والوحشي من قبل مؤيدي النظام وحزب الله مع المأساة الذي يعيشها جزء كبير من الشعب السوري لا يقل بشاعة وألماً لدى كل من يملك ذرة من الإنسانية عما يرتكبه تنظيم داعش من فظائع بحقِّ معارضيه من السوريين وغيرهم، لكن المجتمع الدولي ما يزال ينظر بعين واحدة وفي اتجاه واحد، ويصر على أن لا إرهاب إلا إرهاب داعش، ولا مجرم في المنطقة إلا داعش.

هل من فرق بين الموت جوعاً على يد عناصر الأسد وحزب الله عن الموت برصاصة على يد ملثم داعشي؟ وهل قتل تنظيم داعش طفلاً رضيعاً أو عجوزاً جائعة؟.

فإذا كان العالم يحارب داعش لإرهابها ومشروعها القائم على التوحش فلماذا لا يحارب نظامَ الأسد وحزبَ الله اللذين ارتكبا أضعافاً مضاعفة من الجرائم التي ارتكبت على يد داعش؟! ولماذا يضغط المجتمع الدولي على المعارضة للتفاوض مع نظام مجرم ولا تجلس الولايات المتحدة وحلفاؤها للتفاوض مع داعش؟!.

بعد كل هذا التحيز والتجاهل لأبسط حقوق السوريين بالحرية والعدالة والعيش الكريم يعجب العالم كيف يجنح بعضهم نحو التطرف.

لم ينتظر أهل مضايا والزبداني المحاصرين من الميليشيات اللبنانية سوى رد جزء من جميل سابق، فيوم اعتدت إسرائيل على مناطق الجنوب اللبناني كانت أبواب الزبداني ومضايا وسرغايا هي أول الأبواب التي طرقها اللبنانيون الهاربون من جحيم الحرب، ووجدوا فيها من يؤمن خوفهم ويطفئ جوعهم وظمأهم، ولم يدر السوريون، وقتها، أنهم سيعيشون إلى يوم يأتي فيه جيرانهم ليشاركوا في قتلهم ويمنعوا عنهم لقمتهم، بل ويشترطون عليهم تسليم ممتلكاتهم مقابل بضع حفنات من الطعام.
قد يجوع أهل مضايا والزبداني إلا إلى كرامة وحرية، وقد يشبع محاصروهم إلا من إنسانية وضمير. بئست الجيرة وبئس الجحود والنكران، وأيُّ عار سيلحق بمن يقتل الأطفال جوعاً؟ وأية نذالة لدى من يتشفّى بمأساتهم؟!

التعليقات

//