بوير | العدد 33 | 15 كانون الأول 2015

“ ما يعيب على المؤتمر كوردياً و جعله محل انتقاد وعدم رضا هو عدم دعوة المكون الكردي بوفد مستقل والاكتفاء بمن تواجد منهم ضمن قائمة الائتلاف وعددهم خمسة أشخاص , وليس متوقعاً أن يتم طرح القضية الكردية بالمستوى المطلوب الذي يرغب به الكرد كإقرار منحهم حق تقرير المصير أو الإقرار بالوحدة الجغرافية للإقليم الكردي في سورية”

لا شك أن جميع المؤتمرات التي عقدتها أطراف من المعارضة السورية خلال السنوات الماضية من عمر الثورة جاءت لبلورة وتوحيد الرؤى المتباينة لدى تيارات وفصائل المعارضة بمختلف أعراقهم وطوائفهم و انتماءاتهم السياسية حول مستقبل سورية وشكل نظام الحكم بعد الأسد, و نتجت عنها العديد من التوافقات بين الكتل السياسية كان من بينها الوثيقة الموقعة بين الائتلاف المعارض والمجلس الوطني الكردي التي تضمنت الاعتراف بالقومية الكردية و إلغاء كافة السياسات الشوفينية التي طبقت بحقهم وإزالة آثارها السلبية ..

ويأتي مؤتمر الرياض في المملكة العربية السعودية الذي يهدف إلى توحيد المعارضة السورية وتوصلها إلى رؤية مشتركة من أجل مفاوضات محتملة مع نظام الأسد بعد أن وصل فيه الوضع السوري إلى منعطف خطير بعد احتلال روسي – إيراني لسورية واحتكارهما القرار السياسي فيها, في ظل استماتة ما تبقى من جيش نظام الأسد والميليشيات الشيعية الموالية له والتنظيمات الإرهابية في تدمير البنية التحتية للبلاد وتشريد السكان وتهجيرهم واضطهاد الباقين منهم, كما يأتي خصوصية وإيجابية انعقاده إلى كونه جمع طيفاً واسعاً  من المعارضة السورية من الداخل و الخارج السياسية منها والمسلحة لأول مرة حول طاولة واحدة, كما أنه يعتبر انتقالاً لمركز المعارضة وثقلها من تركيا إلى السعودية ودول الخليج العربي .

واعتبر مؤتمر الرياض بمثابة اجتماع موسع للمعارضة السورية لحضور أكثر من مئة شخصية مثلت أغلب تيارات المعارضة السياسية والعسكرية من أبرزها: الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية وهيئة التنسيق الوطنية وإعلان القاهرة إضافة إلى العديد من المعارضين المستقلين , كما ضم المؤتمر 15 فصيلاً عسكرياً من بينها فصائل الجيش الحر والجبهة الجنوبية وجيش الإسلام  وحركة أحرار الشام الاسلامية .

وما يعيب على المؤتمر كردياً وجعله محل انتقاد وعدم رضا هو عدم دعوة المكون الكردي بوفد مستقل والاكتفاء بمن تواجد منهم ضمن قائمة الائتلاف وعددهم خمسة أشخاص , وليس متوقعاً أن يتم طرح القضية الكردية بالمستوى المطلوب الذي يرغب به الكرد كإقرار منحهم حق تقرير المصير أو الإقرار بالوحدة الجغرافية للإقليم الكردي في سورية, بل تكمن مهمة مؤتمر الرياض الأساسية في تقرير مصير الأسد ودوره في المرحلة الانتقالية وتشكيل وفد للتفاوض مع النظام حسب مخرجات جنيف واحد لتشكيل هيئة حكم انتقالية من المعارضة والنظام بصلاحيات واسعة للحفاظ على مؤسسات الدولة المدنية وإعادة هيكلة مؤسستي الجيش والأمن .

و ربما يظهر أن حدود التسوية السياسية التي ستقبل بها المعارضة غير عادلة بالنسبة لهم ويعد بمثابة حفظ ماء الوجه من خلال قبولها ببقاء النظام واكتفائها برحيل الأسد وعدم وجود أي دور له في المرحلة الانتقالية إلا أنه قد يعتبر حلاً منطقياً لإيجاد مخرج من حالة الدمار التي أصابت سورية بعد أن توضح للجميع عدم جدية الدول العظمى المنغرسة في الصراع السوري للوصول إلى تسوية سياسية خلال السنوات السابقة, بل إن تعنت كل من المعارضة والنظام منحت تلك القوى الدولية فرصة أكبر للتدخل في الصراع والتحكم بمصير وقرار السلم والحرب في الأزمة السورية, وبناء على ذلك فإن الأطراف السورية لن تتوصل إلى توافقات تنهي الأزمة ما لم تكن مرضية لمصالح القوى الدولية والاقليمية وفي مقدمتها روسيا وايران اللتان احتلتا سوريا بأساطيلهما وجيوشهما وميليشياتهما وغدا قرار نظام الأسد بيدهما بعد أن أصبحا جزءاً أساسياً في الصراع السوري, فإيران تقاتل إلى جانب الأسد وتدعم حكمه منذ بداية الثورة عام 2011 وتدخلت روسيا بشكل علني في الحرب إلى جانبه بعد أن دعمته  سياسياً وعسكريا وماليا , ولا يمكن أن تقفا مكتوفتي الأيدي بعد أن قامتا بإدارة الصراع بهذه الطريقة الدموية خاصة بعد استقدام روسيا غواصاتها البحرية وطائراتها وإقامتها قواعد عسكرية جديدة في سورية من شأنها أن تمنح بعض الثقة لحليفيها الأسد وإيران بأن بقائها في المنطقة سيمتد طويلاً  .

وكما كان متوقعاً لم يتطرق مؤتمر الرياض إلى القضية الكردية وخصوصيتها القومية ولم يتبنى الوثيقة الموقعة بين المجلس الوطني الكردي والائتلاف المعارض بل جاء البيان الختامي مؤكداً على مدنية الدولة وسيادتها على مبدأ اللامركزية الإدارية من خلال نظام تعددي يمثل كافة أطراف الشعب السوري رجالاً ونساءً من دون تمييز أو إقصاء على أساس ديني أو طائفي أو عرقي, كما شكلت هيئة عليا للتفاوض مكون من 32 عضواً بينهم كردي واحد .

وعلى الرغم أن هذا الاجتماع وما تمخض منه قد أعاد الكرد إلى المربع الأول وهو مبدأ حق المواطنة إلا أنه يبقى بعيداً عن التنفيذ والوقائع على الأرض نتيجة التغيرات التي أفرزتها تطورات الأزمة السورية وتدويلها, و لم يكن للمجتمعين بدُّ في هذه المرحلة إلا الاتفاق على وحدة الصف لدفع الأمور نحو عجلة التفاوض مع النظام لإنهاء المحرقة والدمار الذي لحق بسورية أرضاً وشعباً أولاً وترضية لرغبة دولية في هذا التوقيت بعد الاحتلال الروسي لسورية ثانياً, رغم الغموض الذي اكتنف العديد من المصطلحات التي نص عليها البيان وسقفها الأدنى من الحقوق التي لا يمكن أن تحقق تطلعات المكون الكردي بالدرجة الأولى ولا باقي المكونات العرقية والطائفية مثل ” مدنية الدولة وهوية سورية  واللامركزية الإدارية ” في الوقت الذي يسعى فيه نظام الأسد إلى رسم خريطة الدولة العلوية ويقوم بعمليات تطهير ديني وعرقي من خلا عملياته العسكرية واتفاقيات الهدنة التي يعقدها مع الفصائل المسلحة  .

إن مؤتمر الرياض لن يكون المحطة الأخيرة والحكم الفيصل في تثبيت شكل الدولة السورية في المستقبل بل سيحدد ذلك سلسلة مؤتمرات لاحقة وأروقة المفاوضات الشاقة التي من المحتمل أن تتم مع النظام وضمن سياسات واتفاقات الدول العظمى حول تقسيم مناطق النفوذ ورسم خريطة الشرق الأوسط الجديد .

*المنسق العام لحركة الشباب الكرد T.C.K

التعليقات

//